تتوقع مصادر غربية أن يهيمن هاجس الطاقة، وعلى رأسها إمدادات الغاز الطبيعي الروسي لأوروبا الذي تستخدمه موسكو سلاحاً استراتيجياً في تعزيز نفوذها في القارة العجوز وإحداث شروخ في وحدة القرار الأوروبي، على قمة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل مع الرئيس جو بايدن التي ستُعقد غداً الخميس في واشنطن.
وحسب تحليل في موقع “اتلانتك كاونسل” ستركز القمة بين ميركل وبايدن على ثلاث قضايا رئيسية تشغل المعسكر الغربي الرأسمالي في الوقت الراهن. وهذه القضايا هي قضايا إمدادات الطاقة الروسية لأوروبا التي ترى فيها واشنطن ركيزة رئيسية من ركائز النفوذ الروسي في أوروبا، وقضية الهجوم السيبراني على المنشآت الحيوية في كل من أميركا وأوروبا الغربية، واستراتيجية احتواء التمدد الصيني الاقتصادي والتجاري في أوروبا وكيفية استخدام حلف شمال الأطلسي “الناتو” في هذا الصراع.
وحسب بيانات المفوضية الأوروبية، لا تزال دول الكتلة الأوروبية تعتمد على الغاز الروسي رغم مساعي التنويع الأخيرة التي اتخذتها بعض الدول، من بينها زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من كل من الولايات المتحدة وشركات الغاز القطرية. وتشير بيانات المفوضية الأوروبية إلى أن حجم الاستهلاك الأوروبي من الغاز الطبيعي بلغ في العام الماضي 2020 نحو 394 مليار متر مكعب بانخفاض 3% بسبب جائحة كورونا، وبلغ حجم الغاز الروسي من هذا الاستهلاك نسبة 48%.
وتصدر شركة غاز بروم الروسية الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر ثلاثة خطوط رئيسية، وهي خطوط “نورد ستريم” التي تمر عبر ألمانيا، وخطوط “يامال يوروب”، والخطوط العابرة لأوكرانيا، وذلك إضافة إلى “أنابيب توركيش ستريم” التي اكتملت حديثاً وتخطط موسكو لاستغلالها في إمدادات الغاز إلى كل من اليونان وبلغاريا وبعض دول أوروبا القريبة من تركيا. وبالتالي فإن قضية الغاز الروسي تعدّ من القضايا الرئيسية التي تشغل بال أوروبا من ناحية “أمن الطاقة”، وتشغل بال أميركا من ناحية “الأمن الأوروبي” وتحجيم نفوذ الدب الروسي في القارة المترهلة.
ويرى محللون أن برلين ستعمل على إجبار شركة “غاز بروم” الروسية على تجديد عقد نقل الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا بعد نهاية العقد الجاري الذي سينتهي في عام 2024. وستواصل ابتزاز أوروبا عبر السيطرة على إمدادات الغاز الطبيعي”.
على الصعيد الأميركي ربما يعمل بايدن على تشجيع دول الاتحاد الأوروبي عبر هذه القمة على زيادة شحنات الغاز الطبيعي المسال من مصادر أخرى، من بينها إبرام عقود طويلة الأجل مع الشركات الغاز في أميركا وأوروبا.
أما بالنسبة لموضوع “الأمن السيبراني”، فقد قال مسؤول ألماني في تعليقات لموقع “سي أن بي سي” يوم الاثنين، إنه من المتوقع أن يتناول لقاء ميركل وبايدن قضية الأمن السيبراني في أوروبا وأميركا، بعد الهجمات الخطرة التي تعرضت لها منشآت حيوية خلال الشهور الأخيرة في أميركا، مثل خطوط تموين الوقود لشركة “كولونيال بايبلاين” التي تغذي ثلث الولايات المتحدة بالمشتقات النفطية. وتتهم الولايات المتحدة عصابات روسية بتنفيذ الهجمات السيبرانية الأخيرة على شبكة المشتقات النفطية في أميركا، وكذلك على شركة اللحوم البرازيلية. أما بخصوص محاصرة الصين التي يسعى الرئيس بايدن لتعزيز “التحالف الرأسمالي” ضد مخاطر تمددها التجاري والتقني في أوروبا، فيتوقع محللون أن يضغط بايدن على ميركل لتقليص التجارة مع الصين، وزيادة حجم التبادل في المقابل مع واشنطن.
ويشير خبراء في تعليقات لقناة “سي أن بي سي” الأميركية إلى أن إدارة بايدن غير راضية عن الوجود الكثيف لشركات التقنية الألمانية في الصين، كما أنها غير راضية كذلك عن الاتفاقية التجارية التي توصل إليها الاتحاد الأوروبي والصين في بداية العام الماضي. وعلى صعيد نقاط الالتقاء بين برلين وواشنطن، فإن لدى بايدن أجندة واضحة داعمة لـ “النظام العالمي متعدد النفوذ” وللمؤسسات المالية والاقتصادية متعددة الأطراف القائمة، وعلى رأسها منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمات الأمم المتحدة، كما أنه يرغب في تجديد التحالف مع دول الاتحاد الأوروبي. وهذه القضايا تتفق تماماً مع السياسة الخارجية الألمانية.