لا يملك النازحون رفاهية اختيار مكان الإيواء، فالغالبية منهم يمكثون حيث تبلغ قواهم، مدرسة خاصة أو رسمية أو أي مركز إيواء لا فرق. المهم مكان آمن فيه الحد الأدنى من مستلزمات العيش: بساط، وسادة، وجبة طعام ومياه، وعلبة دواء.. لا شيء يعلو أهمية على الهروب من الموت.
ولكن أن يدخل إلى بقعة جغرافية بحجم بيروت الإدارية مئات الآلاف من النازحين خلال ساعات، فذلك يفوق أي قدرة على الاستجابة، فما بالك في بلد يعاني أزمة مالية عميقة ويستقبل الملايين من النازحين السوريين منذ سنوات.
آلية الاستجابة
تزدحم مدارس بيروت بالنازحين الباحثين عن سقف يأويهم بعيداً عن القصف الإسرائيلي المتواصل في الجنوب والبقاع. وقد استقبلت بيروت أكثر من 30 ألف نازح خلال 36 ساعة فقط، وفق ما يؤكد رئيس لجنة الطوارئ الحكومية الوزير ناصر ياسين، وقد تم فتح مدارس بيروت الرسمية لاستقبال النازحين إلى جانب مدارس في كافة المناطق اللبنانية ويبلغ عددها أكثر من 300 مدرسة.
ويوضح ياسين في حديثه لـ”المدن”، أن آلية الإمداد بالحاجات تتم من خلال 3 طرق: الأول، عبر هيئة الإغاثة التي تقوم بتأمين الفرش والأغطية وغيرها “لكن حجم النازحين الذي تدفق خلال 36 ساعة فاق كثيراً ما تحتويه المخازن من الحاجات الضرورية، لذلك يجري العمل على تأمين آلاف الفرش والمستلزمات من مصادر أخرى وهنا تكمن المشكلة”، يقول ياسين.
وسد الحاجات من السوق ليست بالمسألة السهلة، بحسب ياسين، فالعديد من مصانع الفرش توقفت عن العمل، خصوصاً في البقاع، ومنها ذات قدرة إنتاجية ضعيفة، بمعنى أن المصانع تمكنت من تأمين بضعة آلاف قطعة فراش في اليوم. وهو ما يقل كثيراً عن الحاجة الفعلية. وباعتقاد ياسين أنه ربما هناك من يخزن ليبيع بأسعار مضاعفة. وفي شتى الأحوال، المخزونات في السوق تقل عن الحاجات الفعلية للنازحين. ولكن يأمل ياسين بتأمين الفرش بشكل تدريجي وكذلك المواد الغذائية.
أما المسار الثاني، الذي تعمل من خلاله لجنة الطوارئ الحكومية فعبر المنظمات الدولية التي شاركت بوضع الخطة، مثل اليونيسيف وبرنامج الغذاء العالمي وغيرها، “وقد تم توزيع أكثر من 10 آلاف فراش وبساط وغيرها من الأمور. كما يتم توزيع مستلزمات نظافة من قبل اليونيسيف، ووجبات غذاء من قبل برنامج الغذاء العالمي. لكن كل ذلك لا يكفي لسد الحاجات”، على ما يؤكد ياسين.
المسار الثالث، يتم عبر الجمعيات الأهلية التي تساهم بشكل أساسي بتأمين حاجات النازحين في مراكز الإيواء، بالإضافة إلى التعاون مع غرف العمليات المناطقية من المحافظين والقائمقامين ورؤساء البلديات. ويقول ياسين إن غرفة العمليات المركزية تتابع مكامن الثغرات وتنظيم العمل على فتح المدارس وتلبية الحاجات.
التلبية تدريجية والحاجات كبيرة
ويحسم ياسين أسباب النقص “المؤقتة” في مراكز الإيواء “سببه المباشر أعداد النازحين الهائلة في مدة قصيرة”. ويقول إن 30 ألف نازح خلال 36 ساعة لم تحصل بتاريخ لبنان ولا حتى في حرب تموز من العام 2006.
وإذ يقر ياسين بوجود نقص في تلبية حاجات النازحين في مراكز الإيواء، ويقول بأنه من غير الطبيعي أن يتواجد 500 نازح في مركز إيواء يتحوي على 100 فراش، يَعد بأنه “خلال 24 ساعة سنشهد تغييراً واضحاً وستبدأ آليات الاستجابة تظهر بوضوح، ويتم تأمين الفرش والمياه والطعام ومازوت التدفئة بشكل تدريجي”. فالأهم يبقى بسلامة التنسيق والدعم وانتظامه، وصحة توزيع الأدوار “فنحن لم نبدأ من الصفر” يقول ياسين.
دعم وتكاتف أهلي
العديد من الجمعيات والمنظمات وحتى الأفراد يقومون بمبادرات لتأمين احتياجات النازحين، على الرغم من أن الحاجات هائلة بفعل كثافة الأعداد. ومن بين المنظمات المبادِرة بنك الغذاء اللبناني Lebanese food bankالذي أوضحت رئيسته منى جحا كنعان في حديث لـ”المدن”، بأنهم يقومون بتأمين الحاجات اللازمة للنازحين بحسب الإمكانات المتاحة، ولا تقتصر تقديمات بنك الغذاء اللبناني على المواد الغذائية إنما تطال الفرش والوسائد والمياه والأدوية ومختلف الحاجات.
وتقول كنعان “في ظل الكارثة التي حصلت لا تقتصر جهودنا على الغذاء فقط، وإن كان هذا هدفنا الأساسي. ونحن نحاول توزيع جهودنا على المراكز المتواجد فيها نازحون بقدر إمكاناتنا مع العمل على توسيع مروحة التقديمات، لاسميا أن النازحين يحتاجون لكل مقومات العيش في هذه المرحلة”.
تعمل المنظمات والجمعيات في دعم مراكز الإيواء بالتنسيق مع وزارة الداخلية وبلدية بيروت. يتم استطلاع الحاجات والعمل على سد الثغرات وتقديم ما يلزم. ولكن رغم ذلك تبقى الإمكانات المتاحة أدنى كثيراً من حاجات النازحين، لاسيما أن مراكز الإيواء في بيروت باتت شبه مكتظة، ومنها مدارس ابتهاج قدورة الرسمية، صبحي الصالح، مدام بعينو، جبران التويني بير حسن، مدرسة العاملية راس النبع، مدرسة وطى المصيطبة، مدرسة راس بيروت في الحمرا ومدرسة البطركية ومدرسة راس النبع للبنات ورينيه معوض والليسيه عبد القادر وغيرها من المدارس.
وعلى الرغم من تقديمات لجنة الطوارئ وبنك الغذاء والمنظات والجمعيات المدعومة من متبرعين بالمال والحاجيات والطعام وغير ذلك، يبقى النقص كبيراً في المراكز. فالكثير من النازحين لم يستحصلوا على شيء حتى اللحظة.