من بين السلع الغذائية المُستوردة، يحتلّ البن المركز الرابع، بقيمة 72.18 مليون دولار. قد يكون الأمر مستغرباً، إذ إن البن ليس من السلع الغذائية الأساسية، ولكن هذه السلعة ما زالت ضمن مستويات عالية من الاستيراد حتى في أولى سنوات الأزمة عندما انخفض مجمل الاستيراد إلى نحو 13 مليار دولار، إذ سرعان ما تعافى استيراد البن لجهة الكميات والقيم المالية. فقد استورد لبنان في 2023 نحو 22662 طناً من البن، أي بارتفاع بنسبة 40% عن سنة 2022. يُعزى هذا الارتفاع إلى سببين؛ الأوّل هو العودة التدريجية للاستيراد إلى عهده السابق للأزمة، وهذا ما يظهر في أرقام الاستيراد العامّة المتزايدة منذ سنة 2021. أما الثاني، فهو انخفاض سعر البن، إذ كلّف الطن الواحد في 2023 نحو 3184 دولاراً، في حين بلغت كلفة الطن الواحد من البن المستورد في 2022 نحو 3228 دولاراً. إلا أن هذا الانخفاض القليل نسبياً في كلفة الطن، لا يُبرر ارتفاع الاستيراد بنحو 40% من ناحية الكمية المستوردة. في 2023 بلغ حجم استهلاك الفرد من البن نحو 4.17 كيلوغرامات سنوياً، للمقيمين في لبنان، وهو ما يمثّل انخفاضاً عمّا كان عليه الاستهلاك الفردي في 2019 عندما بلغ 5.8 كيلوغرامات للفرد الواحد سنوياً. هذا الانخفاض كان نتيجة للانهيار في قيمة العملة المحلية، التي أثّرت بشكل كبير على القدرة الاستهلاكية للأسر. لا تزال معدلات الاستهلاك قريبة مما كانت عليه في 2019، وهذا الأمر يُظهر أن مرونة الطلب مع ارتفاع الأسعار ليست عالية، بمعنى أن ارتفاع أسعار البن لم يغيّر كثيراً في الطلب عليه، وهو أمر مُتوقّع في بلد يعيش أزمة عمرها خمس سنوات، وهو أمر يرفع نسبة التوتّر عند المقيمين في لبنان.
بعد عام 2021 ارتفع سعر البن عالمياً، وهو ما يُفسّر ارتفاع كلفة استيراد البن إلى لبنان في تلك المدة. ففي حين كلّف الطن الواحد نحو 1867 دولاراً، كمعدّل، في 2020، ارتفع هذا الرقم إلى 3554 دولاراً في السنة اللاحقة مباشرة، وهو ما مثّل ارتفاعاً في الأسعار بنسبة 90% تقريباً. السبب في ذلك الوقت كان يعود إلى الجفاف الذي أصاب البرازيل في تلك السنة والذي ضرب محاصيل البن هناك. كما أدّى مزيج من نقص العرض وارتفاع تكاليف الإنتاج والطلب المتزايد، مضافة إليها عوامل مثل الجفاف والتضخم، إلى ارتفاع أسعار البن إلى أعلى مستوياتها في سنوات عدة في عام 2021 واستمرار الارتفاع في عام 2022.