40% رسم جمركي إضافي على الاستيراد من تركيا: لبنان يحمي مصانع المعكرونة

قرّر مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة حماية صناعة المعكرونة التي تطوّرت في لبنان خلال سنوات ما بعد الانهيار المصرفي والنقدي. وفي هذا السياق، اتخذ المجلس قراراً بفرض رسم جمركي نسبته 40%، ولمدّة خمس سنوات، على استيراد المعكرونة بكل أنواعها، بالإضافة إلى المغربية، باستثناء البلدان التي يرتبط معها لبنان باتفاقيات تجارية، وعددها 60 بلداً من أصل 82 يستورد منها لبنان المعكرونة ويصدّر إليها، كما نجت المعكرونة المحضّرة الجاهزة للأكل من الرسم الجديد، والتي يستورد منها لبنان 6 آلاف و500 طن سنوياً بقيمة تصل إلى 12.4 مليون دولار. الهدف من الرسم تعزيز فرص المنافسة لدى المصانع اللبنانية.

قبل بضعة أشهر، قدّمت 6 مصانع معكرونة في لبنان شكوى إلى وزير الصناعة عن تعرّضها لـ«منافسة غير عادلة من المنتجات الأجنبية المستوردة». وأشارت هذه المصانع إلى أن المنتجات التركية تمثّل 60% من مجموع استيراد المعكرونة إلى لبنان، فضلاً عن أن حصّة منتجات المعكرونة المستوردة (من كل البلدان) تبلغ 80% من مبيعات السوق مقابل حصّة صغيرة نسبياً للمصانع اللبنانية تبلغ 20%. وتطالب هذه المصانع بتعزيز قدراتها التنافسية من خلال حماية المنتجات المصنعة محلياً، إذ تقدّر الطاقة الإنتاجية للمصانع اللبنانية بنحو 41,100 طن من المعكرونة، بينما يقتصر إنتاجها بسبب المنافسة الأجنبية على 8200 طن فقط.

عملياً، كانت البضائع المستوردة من تركيا تحديداً، بأسعار منخفضة جداً لأن مصانعها تحصل من الدولة التركية على دعم لكلفة الإنتاج، تغرق الأسواق اللبنانية. وهذا بدوره ينعكس أيضاً على إنتاج القمح القاسي في لبنان الذي يستعمل لصناعة المعكرونة. صحيح أن أسعار المنتجات التركية أرخص، إنما لا يستفيد منها المستهلك اللبناني لأن هذه المنتجات تباع بأسعار متقاربة في السوبرماركت، أي أن المستفيد هم المستوردون والتجّار. لذا، فإن استمرار الاستيراد بهذه الوتيرة يشكّل «خطراً على استمرارية العمل لدى المصانع اللبنانية، إذ إن تراجع الطلب على المنتج المحلي سيؤّدي إلى إغلاق العديد من المصانع، وفقدان مئات فرص العمل»، بحسب الكتاب الذي وجّهته المصانع إلى وزير الصناعة جورج بوشكيان.

الخيارات المتاحة أمام مجلس الوزراء تقتصر على فرض رسوم «حمائية» على استيراد المعكرونة لا تشكل الدول التي لدى لبنان اتفاقيات ثنائية أو جماعية تمنع زيادة الرسوم. وقد سبق أن اتخذ المجلس قرارات مماثلة لحماية إنتاج رقائق البطاطا، المعروفة بـ«الشيبس»، في عام 2015، إذ ربط استيرادها باستصدار موافقة مسبقة لحماية المصنع الذي يملكه النائب ميشال ضاهر بعد تعرّضه لمنافسة قوية من منتجات سعودية مماثلة. أيضاً جرت حماية استيراد الدفاتر والألمنيوم وسواها من المنتجات التي تعرّضت لإغراق أجنبي أو لمنافسة قوية بسبب دعم الأكلاف الذي تحصل عليه في بلدانها الأم.

وفقاً لرسالة المصانع، يبلغ معدّل سعر طن المعكرونة التركية نحو 635 دولاراً، وهو أرخص طن معكرونة يدخل إلى لبنان، ويليه مباشرة الإيراني بـ 831 دولاراً للطن، بينما يبدأ سعر طن المعكرونة الإيطالية بـ 1340 دولاراً. وبسبب أكلاف الإنتاج المرتفعة في لبنان، تبلغ كلفة إنتاج المعكرونة للتصدير 700 دولار لـ«المنتج الخفيف»، و850 دولاراً لـ«المتوسط». وبالتالي، إنّ فرض رسم جمركي بنسبة 40% على المعكرونة التركية، سيرفع ثمن الطن منها إلى 887 دولاراً، ليصبح سعراً قابلاً للمنافسة المحلية.

القرار صدر في 7 كانون الثاني الجاري، لكنه لم يدخل حيّز التنفيذ بعد، وفق المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر. ويشير إلى «وجود ملاحظات شكلية على القرار الذي استثنى استيراد المعكرونة من الدول التي يرتبط بها لبنان باتفاقيات تجارية، إذ قد يؤدي هذا الاستثناء إلى الوقوع في التمييز، أي أنه يصيب دولة أو اثنتين نستورد منهما هذه السلعة». وبالتالي، يسأل أبو حيدر، «من يحمي السلع اللبنانية اليوم في الدول المستهدفة بقرار رفع الرسم الجمركي، إذ يمكن أن توضع عوائق تجارية على السلع اللبنانية المصدّرة إليها».

من جهة ثانية، يلفت أبو حيدر إلى «وجود لجنة في وزارة الاقتصاد مهمتها حماية الإنتاج الوطني، ولكنّها لم تستشر في موضوع القرار الجديد». وتتلخص مهام هذه اللجنة، وفقاً لأبو حيدر، بـ«استقبال طلبات حماية الإنتاج الوطني، ودراسة الأرقام وحاجات السوق من السلعة موضوع طلب الحماية». وتقدّر لجنة حماية الإنتاج الوطني قدرة المنتج المحلي على تلبية حاجات السوق، وتدرس مردود القرار على المستهلك، ومن بعدها تصدّر توصياتها بزيادة الرسوم الجمركية لحماية المستهلك. ومع تأكيد أبو حيدر «دعم الإنتاج الوطني، وحماية المصانع المحليّة»، ولكن، «لا نريد دعسة ناقصة تؤدي إلى مشاكل، فالقرار يحتمل أن يكون محقّاً لوزير الصناعة، إلا أنّ الإخراج سيكون أفضل لو نسّق مع لجنة حماية الإنتاج الوطني في وزارة الاقتصاد».

2000 عامل
هو عدد العاملين في مصانع المعكرونة اللبنانية، وتقول المصانع إنه رقم قابل للارتفاع في حال حماية هذا القطاع وتأمين قدرة تنافسية تتيح للمصانع المحلية أن تزيد إنتاجها لتغطية الطلب في السوق المحلية.

60% من كميات المعكرونة التي استوردها لبنان في 2023 أتت من تركيا بقيمة إجمالية بلغت 16 مليون دولار، أو ما نسبته 43% من مجمل المبالغ المدفوعة على استيراد هذه السلعة. ولبنان يستورد سنوياً نحو 32 ألف طن من المعكرونة، على اختلاف أشكالها وأنواعها بقيمة إجمالية تبلغ 37.3 مليون دولار، بينما يصدر 2.7 ألف طن من المعكرونة بقيمة تصل إلى 5.6 ملايين دولار.

مصدرجريدة الأخبار - فؤاد بزي
المادة السابقةخط الغاز القطري إلى الواجهة مجدّداً: الممرّ السوري ليس معبّداً
المقالة القادمة2192 هكتاراً من الأراضي المحروقة