خلّف العدوان الإسرائيلي على لبنان، آثاراً مدمّرة على مختلف القطاعات الخدماتية والإنتاجية، من الصعب تجاوزها من دون تضافر الجهود بين القطاعين الخاص والعام، أو أقله توفير الدعم المباشر للمتضررين. ومع أن بعض القطاعات تتجنب الخوض في “كبواتها” بالعلن، إلا أن نقاشاً داخلياً يدور ضمن حلقات نقاباتها أو تجمعاتها، ويثير جدلاً يصعب جزمه من دون إبراز تضامن جدي في الجسم الواحد وصولاً إلى إنتزاع ما يعتبره أرباب هذه القطاعات، المتضررون منهم خصوصاً، حقوقاً لهم.
يشكل الجسم الصيدلي واحداً من هذه القطاعات التي دفعت أثماناً غالية، منذ فتحت جبهة إسناد غزة. وعلى رغم عدم وجود أرقام دقيقة حتى الآن حول حجم خسائرها، فإنها ستفوق وفقاً لنقيب الصيادلة في لبنان جو سلوم “مئات آلاف الدولارات”. فإلى جانب البنية الانشائية، خسرت العديد من هذه الصيدليات جزءا كبيرا من مخزونها، الذي اندثر مع الركام.
الصيدليات المتضرّرة
وفقاً للداتا التي جمعتها نقابة الصيادلة من خلال منصة أنشأتها لتسجيل أعداد المتضررين، فإن 400 صيدلية تضررت بشكل كامل خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان. وإذا كان القسم الأكبر من هذه الصيدليات يتوزع بطبيعة الحال في منطقة الجنوب، فإن صيدليات كبرى، تضررت في منطقة ضاحية بيروت، وهي وفقا للمعلومات من أكبر الصيدليات العاملة على الأراضي اللبنانية، بالإضافة إلى ما تضرر منها في منطقة بعلبك الهرمل.
وانطلاقاً من هنا، لا يتوقع أن يترافق وقف النار مع عودة طبيعية لتوزع الصيدليات على هذه المناطق، خصوصاً أن هناك مبان ومنشآت محيت عن الوجود وكانت تحتضن صيدليات. وهذا ما سيضع نقابة الصيادلة كما وزارة الصحة والدولة اللبنانية أمام مسؤوليتها في المحافظة على إنتظام هذا القطاع، بما يتيح للمتضررين خصوصاً إعادة تكوين مؤسساتهم، وفي معظم الحالات المذكورة “من الصفر”.
في المقابل تتوزع السيناريوهات المطروحة للتعويض على هذه الصيدليات، ومساعدتها في تخطي الأزمة على ثلاثة محاور أساسية.
السيناريو الأول الذي بوشر تطبيقه بتنسيق بين النقابة ووزارة الصحة، كان إنشاء مجموعات تسمح للصيادلة بتبادل كميات المخزون التي تم إنقاذها في الصيدليات المتضررة، وهذا يشمل بشكل خاص الصيدليات التي تضررت بشكل غير مباشر. وقد وافقت وزارة الصحة على هذا التدبير وفقاً للمعلومات حفاظاً على مخزون الدواء وعدم تراجعه خلال فترة الحرب. علما أن داتا هذا الدواء ووجهته بقي مضبوطاً كما يؤكد سلوم، منعا لأي عملية تلاعب بالأسعار.
إلا أن هذا المخزون، أو ما تم إنقاذه منه، سينتهي في وقت قريب، ليبقى التحدي الأبرز الذي سيوجهه الصيادلة المتضررون “إستعادة صيدلياتهم”.
صندوق النقابة
بحسب المعلومات، تدور في كواليس المتضررين طروحات حول تعويضات يمكن أن يطالب بها هؤلاء حتى من صندوق نقابة الصيادلة. إلا أن هذا الصندوق لم يخرج بشكل نهائي من تعثره نتيجة للأزمة المالية التي بددت حقوق الصيادلة المساهمين فيه بسبب انهيار قيمة الليرة والحجز على الودائع. وبحسب سلوم التعويض عن طريق صندوق النقابة مباشرة لا يبدو حلاً ممكناً، “فلا إمكانياتنا تسمح لنا بذلك ولا القوانين”. ويشير في المقابل “إلى أن النقابة قامت بعد جمع الداتا الكاملة بالمتضررين بإرسال طلبات المساعدة إلى اتحاد الصيادلة العالمي واتحاد الصيادلة الفرنكوفوني. وعندما تطلق حملة المساعدة لإعادة الإعمار، سنتقدم بهذه المستندات التي هي بين أيدينا حتى يستمر الصيادلة بتأدية دورهم الصحي في خدمة المرضى بقراهم”.
ما طرح في كواليس الصيادلة المتضررين أيضاً، وخصوصاً في المرحلة التي سبقت الوقف الكلي لإطلاق النيران، كان بأن يسمح للصيادلة الذين تضررت صيدلياتهم، كلياً أو جزئياً، بأن ينتقلوا بها استثنائياً إلى مناطق أخرى. إلا أن التحفظات على هذا الإقتراح كثيرة، خصوصاً أن الإستثنائي غالباً ما يتحول أمراً واقعاً في لبنان، وهذا ما يهدد بتسلل الفوضى إلى القطاع الذي لا يزال منتظماً من ضمن شروط صارمة حول المسافات التي يجب أن تفصل بين صيدلية وأخرى.
لا تسقط عودة النازحين إلى قراهم وبيوتهم كلياً هذا الإقتراح، وإنما تقلص ربما المساحة الجغرافية المقترحة لتطبيقها من ضمن المناطق الأقل تضرراً بالعدوان، سواء في محافظة الجنوب، أو ضاحية بيروت أو بعلبك. غير أنه بحسب سلوم فإن النقابة ليست معنية بهذا النقاش لكونها “ليست الجهة التي تحدد مواقع فتح إستثمار الصيدليات، وإنما هي وزارة الصحة.”
ورشة إعادة الإعمار
يعتبر سلوم في المقابل أن الحلول الجذرية يجب ان تأتي من ضمن ورشة الاعمار وإعادة النهوض الشاملة وعلى الدولة، ان تقوم بدورها في التعويض على الصيادلة الذين هم الركن الأساسي بالمنظومة الصحية، خصوصاً ان الصيدليات استمرت في خدمة الناس حتى في المناطق الأكثر تضرراً، وقد غامر البعض حتى بحياته من خلال إصراره على تأمين الدواء لأبناء منطقته عندما لم يكن أحد قادراً على بلوغها”. وعليه أثبت الصيادلة وفقاً لسلوم “أنهم حجر الأساس في الوقوف إلى جانب المرضى.”
ولكن ألا يشكل الحديث عن كل دعم ومساعدة يأتي عن طريق الدولة وكأنه ذر للرماد في العيون؟ فعن أي تعويضات يمكن أن نبحث في خزينة مفلسة. يجيب سلوم: “عندما نتحدث عن الدولة لا نتوقع التعويض من صناديقها مباشرة، وانما بأن تدرج مطالب الصيادلة من ضمن جدول التعويضات التي ستعرض في أي مؤتمر للمانحين في ورشة إعادة الإعمار او التخلص من تبعات الحرب، والتعويض على الصيدليات يعتبر أساسيا في أي عملية لإعادة الإنعاش، إذ أن استعادة البلد لعافيته يجب ان يبدأ بتأمين الغطاء الصحي.”