لا خطّة رسمية لمرحلة ما بعد نهاية الحرب الصهيونية على لبنان. كلّ ما عُرض على طاولة الحكومة هو مجرّد أفكار ومتابعات متصلة بفترة ما بين وقف الأعمال الحربية وانطلاق عملية إعادة الإعمار. ففي جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، التي عُقدت بعد 11 يوماً على وقف إطلاق النار، اتُخذ قرار التحرّك الميداني عبر تكليف عدد من المجالس والوزارات القيام بأعمال مسح الأضرار، كلّ بحسب اختصاصه، وجرى توزيع الأدوار في عملية رفع الأنقاض، إنّما من دون تحديد أماكن أو مصير هذه الردميات وكيفية التعامل معها، ورمى لمجلس النواب الكرة التشريعية لإنتاج قانون جديد يغطي هذه العملية ويرسم إطارها القانوني.
ورغم هذا التكليف الذي فوّض مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة بعملية رفع الأنقاض والإشراف عليها من قبل مجلس الإنماء والإعمار، إلا أنه لم يقدّم مكاناً لنقل نحو مليوني متر مكعب من الردم. بل طلب «تقديم الاقتراحات بشأن معالجة الردميّات والأنقاض»، كما طلب من وزارة الأشغال العامة والنقل «تحديد مواقع الردم، واستحداث أماكن لتجميع الركام، والتنسيق لتنفيذ هذه المهمة مع الإدارات والهيئات المحلية». علماً أن هناك نقاشات تشير إلى وجود رغبة عند بعض الأطراف في استعمال بحر الأوزاعي لردم هذه الكميات بين السان سيمون ومرفأ الأوزاعي، أو ردمها في مكبّ الكوستا برافا، لكن مجلس الوزراء لم يصرّح بعد عن أي قرار.
عملياً، أبقت الحكومة المسائل طي الكتمان، أو أقلّها لم تصرّح بنواياها الحقيقية تجاهها، وأهمّها مصير ركام الأبنية والبيوت المدمّرة وآليات العمل والتلزيمات المرافقة للعمليات والجداول الزمنية، ما يظهر خفّة في متابعة ملف إعادة الإعمار. مثلاً، رُصد مبلغ 4 آلاف مليار ليرة، أي ما يوازي 44 مليون دولار مقابل 15 عملية كبرى ستشارك فيها 7 وزارات ومجلسين والهيئة العليا للإغاثة واتحادات البلديات. ومن أبرز المهمات التي ستشملها هذه العملية، رفع الأنقاض من مختلف المناطق التي تعرضت للاعتداءات الصهيونية، ومسح الأضرار على المؤسّسات والممتلكات الخاصة والعامة، والمستشفيات والمدارس، وتقييم الأضرار على المنشآت والمحطات المائية والكهربائية وإصلاحها، كما إعادة تأهيل شبكة الهاتف.
تبلغ التكلفة التقديرية لعملية إزالة الردم من الضاحية الجنوبية فقط نحو 12 مليون دولار. ويؤكّد مهندسون في عدد من فرق الكشف أنّ «الكلفة مرشحة للارتفاع بنسبة 30%، لأنّ الكشف الأولي على عدد من الأبنية أظهر تعرّض أساساتها لأضرار جسيمة، ما يوجب هدمها»، ويتوقعون وصول عدد الأبنية الواجب إعادة إعمارها بشكل كلّي إلى 400 مبنى، مقابل 243 بعد حرب تموز 2006.
وقد أُلقي بالحمل الأكبر على مجلس الجنوب، إذ كُلّف بمتابعة مناطق شاسعة في محافظتي لبنان الجنوبي والنبطية، إضافة إلى منطقة البقاع الغربي وراشيا. وهذه المناطق هي الأكثر تعرضاً للدمار. فمن المفترض أن يقوم المجلس في هذه المناطق بـ«عملية مسح الأضرار المتعلقة بالمباني، والمنشآت الخاصة، والبنى التحتية والخدمات العامة»، وفقاً لما جاء في القرار الحكومي. وإلى جانب الطلب إليه تقديم اقتراحاته بشأن الردم، أوكل إلى المكتب الاستشاري الهندسي، خطيب وعلمي، الإشراف على عمل مجلس الجنوب، بموجب عقد سيتمّ توقيعه مع الهيئة العليا للإغاثة.
أما خارج منطقة عمل مجلس الجنوب، فقسمت الحكومة العمل إلى جزأين. وكلّفت الهيئة العليا للإغاثة القيام بمسح الأضرار في المباني والمنشآت الخاصة، ورفع الأنقاض. كما كلّف مجلس الوزراء الهيئة بمهمات مشابهة لمهمات مجلس الجنوب، إذ طلب منها «تقديم الاقتراحات بشأن معالجة الرّدميات والأنقاض». ومن جهة ثانية، طلب من مجلس الإنماء والإعمار متابعة مسح الأضرار الناجمة عن العدوان على البنى التحتيّة والخدمات العامة في المناطق الواقعة خارج نطاق عمل مجلس الجنوب، والإشراف على أعمال رفع الأنقاض، إنّما عبر التعاقد مع شركات متخصصة هذه المرّة.
وفي سياق متصل، أرسلت الحكومة إلى مجلس النواب مشروعاً لتعديل القانون 263، المتعلق بـ«إعادة إعمار الأبنية المتهدمة بفعل العدوان الإسرائيلي عام 2006»، والصادر عام 2014. وفيه، أبقى مجلس الوزراء على النصوص القانونية الأصلية كما هي. وفي المقابل، طلب تعديل المواد المتعلقة بالمخالفات، إذ ربطها بالقانون الرقم 139، الخاص بـ«تسوية مخالفات البناء الحاصلة من أيلول عام 1971، حتى نهاية عام 2018»، بدلاً من القانون 324 القديم. ويسمح القانون 139، الصادر عام 2019، بإعادة إعمار الأبنية المخالفة التي دمّرها العدوان، إنّما يضع شروطاً إضافيةً عليها لتشريعها. مثلاً، يفرض غرامات أعلى على كلّ متر مربع للبناء المخالف، على أنّ تحدّد هذه الرسوم وفقاً لسعر العقار تصاعدياً، من مرتين قيمة جميع الرسوم على البناء، وصولاً إلى 10 مرّات قيمتها.
ولكن لا يشمل السماح بإعادة إعمار الأبنية المخالفة، المباني المشيدة على أراضي الغير، وفقاً للمادة الثانية من المشروع. وعلى صعيد الإعفاءات، سيعفي المشروع الأبنية غير المخالفة، والمنوي إعادة إعمارها، من كل الرسوم والغرامات والطوابع المالية كافة، بما فيها رسوم الإنشاءات ورسوم نقابتي المهندسين. كما يسمح بتغيير خرائط الأبنية المعاد إنشاؤها، بشرط التقيّد بالتراجعات المفروضة على الأملاك العامة.
400
هو عدد المباني التي تحتاج إلى إعادة إعمار كلية في الضاحية سواء تدمّرت كلياً بفعل العدوان أو تضرّرت بشكل جسيم وصار ضرورياً هدمها