تمر الولايات المتحدة بحالة من عدم اليقين المالي غير مسبوقة، مع قرب الموعد النهائي لرفع سقف الدين الحكومي والذي حذرت منه وزارة الخزانة الأميركية في بداية العام. ومنذ بلوغ حد الدين الأقصى قبل أشهر قليلة، اتخذت وزارة الخزانة الأميركية «إجراءات استثنائية» لضمان استمرار الحكومة في دفع فواتيرها، وحذرت في الأيام القليلة الماضية من ضرورة التحرك لتجنب «كارثة اقتصادية».
الوقت ينفد بسرعة أمام المشرعين والإدارة الأميركية لرفع حد الدين، ووفقاً لتوقعات الوزارة الحالية، فإن أوائل حزيران سيكون الموعد النهائي الذي لن تتمكن فيه الحكومة الفيدرالية من تدبير احتياجاتها المالية. إذا فشلت الولايات المتحدة في رفع سقف الدين بحلول ذلك الوقت، فإن الحكومة الأميركية ستتخلف عن سداد التزاماتها المالية، وهي سابقة تاريخية تحمل عواقب وخيمة محتملة.
ما سقف الدين؟
سقف الدين هو الحد الأقصى للمبلغ الذي يمكن لحكومة الولايات المتحدة اقتراضه لسداد التزاماتها، مثل مدفوعات الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية ونفقات الجيش.
في كل عام، تحصل الحكومة على عائدات من الضرائب وغيرها من التدفقات، مثل الرسوم الجمركية، ولكنها في النهاية تحتاج لإنفاق أكثر مما تحصل عليه. نتيجة ذلك، سجلت الحكومة عجزاً يتراوح بين 400 مليار دولار و3 تريليونات دولار سنوياً على مدى العقد الماضي، ويترجم العجز المتبقي في نهاية العام إلى زيادة في إجمالي ديون البلاد.
لاقتراض الأموال، تصدر وزارة الخزانة الأميركية أوراقاً مالية، مثل السندات الحكومية، والتي تسدد قيمتها في النهاية مع الفائدة. لكن بمجرد أن تصل حكومة الولايات المتحدة إلى أقصى حد مسموح به قانوناً من الديون، لا تستطيع وزارة الخزانة إصدار المزيد من الأوراق المالية، ما يعني وقف تدفق الأموال إلى الحكومة الفيدرالية.
الكونغرس هو الجهة المسؤولة عن تحديد الحد الأقصى للدين، والذي يبلغ حالياً 31.4 تريليون دولار، بعد رفعه 78 مرة منذ عام 1960، من قبل الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.
ماذا يعني تخلف أميركا عن السداد؟
لم تتخلف الولايات المتحدة عن سداد مدفوعاتها من قبل، لذا فإن ما سيحدث بالضبط غير واضح، لكن بالطبع لن يكون جيداً. قالت وزيرة الخزانة الأميركية «جانيت يلين»، في رسالة وجهتها إلى الكونغرس في وقت سابق إن الفشل في الوفاء بالتزامات الحكومة سيسبب ضرراً لا يمكن إصلاحه للاقتصاد الأميركي، فضلاً عن تضرر سبل عيش جميع المواطنين، والاستقرار المالي العالمي.
سيفقد المستثمرون الثقة في الدولار الأميركي، مما يتسبب في ضعف الاقتصاد بسرعة، وتراجع فرص العمل والوظائف، ولن يكون لدى الحكومة الفيدرالية الأدوات الكافية لمواصلة تقديم خدماتها.
لماذا تعد ديون الحكومة الأميركية ضخمة جداً؟
طوال تاريخها، كان على الولايات المتحدة بعض الديون، لكنها بدأت تنمو بشكل كبير في الثمانينيات، بعد التخفيضات الضريبية الهائلة التي فرضها الرئيس «رونالد ريغان». دون عائدات ضريبية كبيرة، كانت الحكومة بحاجة إلى اقتراض المزيد من الأموال للإنفاق.
خلال التسعينيات، سمحت نهاية الحرب الباردة للحكومة بتقليص الإنفاق الدفاعي، وأدى الاقتصاد المزدهر إلى زيادة عائدات الضرائب. لكن في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انفجرت فقاعة «دوت كوم»، ما أدى إلى ركود الاقتصاد. بعد ذلك، خفض الرئيس «جورج دبليو بوش» الضرائب مرتين في عامي 2001 و2003، ثم زاد الإنفاق بنحو 6 تريليونات دولار على مدار فترة حربَيْ العراق وأفغانستان.
عندما بدأ الركود الكبير في عام 2008، كان على الحكومة زيادة الإنفاق لإنقاذ البنوك وزيادة الخدمات الاجتماعية حيث بلغ معدل البطالة 10%. وعندما عاد معدل البطالة إلى مستويات ما قبل الركود، تم تمرير تخفيض ضريبي كبير في عهد الرئيس «دونالد ترامب» عام 2017، وارتفع الدين بمقدار 7.8 تريليونات دولار أثناء توليه منصبه.
ثم حلت جائحة «كوفيد 19»، وأقرت الحكومة الأميركية سلسلة من مشاريع قوانين التحفيز لتعويض آثار الوباء، والتي بلغت في النهاية 5 تريليونات دولار.
أين يذهب الجزء الأكبر من إنفاق الحكومة الفيدرالية؟
يذهب الجزء الأكبر من الإنفاق الحكومي الأميركي إلى البرامج الإلزامية، مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، والتي تشكل ما يقرب من نصف الميزانية السنوية الإجمالية. بعد ذلك، يستحوذ الإنفاق العسكري على الجزء الأكبر، حيث يستأثر وحده بنحو 12% من الميزانية. وتشمل البنود الأخرى باهظة التكلفة، الإنفاق على التعليم والتدريب والتوظيف والخدمات والمزايا المقدمة للمحاربين القدامى في الولايات المتحدة.
لماذا لم يُرفع سقف الدين بسهولة ودون جدال؟
في 26 نيسان، مرر الجمهوريون مشروع قانون في مجلس النواب من شأنه رفع سقف الديون بمقدار 1.5 تريليون دولار، لكنه فرض تخفيضات في الإنفاق بمقدار 4.8 تريليونات دولار على مدى عقد من الزمان. رفض الديمقراطيون التفاوض بشأن تخفيضات الإنفاق، وقالوا إنه يجب على الجمهوريين طلب تخفيضات في الإنفاق أثناء التفاوض على الميزانية، وليس سقف الديون. مع ذلك، يبدو أن الجمهوريين مصرون على استغلال الجدول الزمني حتى آخر لحظة رغم مخاطر التخلف عن السداد، بهدف الضغط على الديمقراطيين للموافقة على خفض الإنفاق.
نجح الجمهوريون في عام 2011 في ذلك، عندما وافق الديمقراطيون على خفض الإنفاق قبل 72 ساعة من تعثر الحكومة عن سداد ديونها. هذه المرة، مع عدم تراجع أي من الجانبين عن موقفه، يضع الجمود المستمر الاقتصاد الأميركي «قريباً للغاية من الكارثة».