القطاع الخليوي في لبنان ليس بأفضل حالاته، فالفترة الذهبية التي نعم بها هذا القطاع بدأت تتراجع مع بدء الأزمة الإقتصادية التي أثرت سلباً على القطاع كغيره من القطاعات الحيوية في لبنان، ورغم خطة وزارة الإتصالات والتعديل في التعرفة وفق صيرفة، إلا أن مشاكل طرأت على الشبكة وأثّرت سلباً على الخدمات، فما هي الأسباب التي تكمُن وراء ذلك؟ وكيف أصبحت إيرادات القطاع؟ وهل تستطيع تغطية تكاليف التشغيل؟ وماذا عن وضع العاملين في هذا القطاع؟ وكيف تؤثر خدمات أوجيرو على خدمات شركات الخليوي؟
10000 مليار إلى خزينة الدولة
يوضح وزير الإتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم، أن «الهدف من تعديل التعرفة بقطاع الخليوي كان تأمين مصاريف القطاع، الأمر الذي تمكنا من تحقيقه»، لكنه يلفت إلى «عدم إنجاز إستثمارات جديدة»، ويقول لصحيفة «نداء الوطن»: «لغاية الآن لم نقم باستثمارات جديدة علماً بأن المادة 36 تنص على أنه يحق لنا أن نصرف من المصاريف التشغيلية بالقطاع، لكن المصارف الإستثمارية بحاجة إلى موافقة مجلس الوزراء، لذا نحن لم ننجز مصاريف إستثمارية عام 2023، لذلك نتوقع أن يتم تحويل ما يقارب الـ 10000 مليار ليرة من القطاع الخليوي إلى الخزينة عام 2023، وذلك بسبب غياب إستثمارات جديدة في القطاع.
الخوف من تأثير أوجيرو
وردًا على رداءة الخدمة، يلفت القرم إلى أنّه «نظراً إلى رداءة الإتصالات وكيف كانت مقارنة بالفترة السابقة قبل تسلمهم القطاع، فالوضع تحسن مع بداية إستلامهم، حيث كانت هناك لقاءات أسبوعية تُعقد مع إدارتي الشركتين ويتم خلالها وضع المؤشرات، مما ساهم في تحقيق الأهداف المرجوة بالقطاع في الفترة الأولى»، ولكن لسوء الحظ وفق تعبير القرم فإن «رداءة خدمة أوجيرو عادت وأثرت على القطاع الخليوي. لذلك العمل اليوم يتركز على الخطوط الثابتة، حيث هناك خطة على 3 مراحل من أجل معالجة الخلل والوصول إلى الهدف المرجو لإبعاد قطاع الإتصالات ولو قليلًا عن بقية مشاكل الدولة، علماً أننا نبقى جزءاً لا يتجزأ من الدولة ومشاكلها ومشاكل سعر الصرف والمصارف».
وختاماً، يُبدي القرم خشيته وخوفه الكبير من «مشاكل القطاع الثابت»، لكنه يُعول على «الإتفاقية العراقية التي سيأخذون نسبة منها، وكذلك على الهبة الصينية، على اعتبار أن أغلبية المشاكل متمثلة بالطاقة، وفي حال تمت معالجة هذا الأمر فإن ذلك سيؤثر إيجاباً على القطاع الخليوي».
واقع القطاع
وتتقاطع مصادر الشركتين «ألفا وتاتش»، في توصيف واقع القطاع حالياً، لافتة إلى أنه «منذ دخلت خطة تعديل الأسعار حيز التنفيذ في تموز 2022، وضعت وزارة الإتصالات بالشراكة مع شركتي ألفا وتاتش إستراتيجية لتعزيز أداء الشبكة وتخفيض المشاكل، وجرى تنفيذها على مراحل. وأظهرت النتائج نجاح الخطة والأهم تحقيق الإستمرارية في استقرار أداء الشبكة من حيث خدمات الصوت والداتا منذ تشرين الثاني 2022 حتى اليوم»، وأما في ما يتعلق بمؤشر عدد الزبائن، فتشير إلى أنه «ورغم التقلبات في أسعار صيرفة، فإن عدد الزبائن في الخليوي حافظ على ثباته. وتسُلط المصادر الضوء على العقبة التي تواجه القطاع وهي أن «المشاكل التي طرأت على أوجيرو في الفترة الأخيرة أثرت على الشبكة والمشاكل لها علاقة بعدم توفر الطاقة. ما ينعكس سلباً على عمل السنترالات وتوقف الإنترنت عن العمل».
جملة تحديات
وعن التحديات التي يواجهها القطاع؟ تؤكد المصادر أن «التحديات تبقى كثيرة، منها ما يتعلق بالمتطلبات التشغيلية ومنها ما يتعلق بالعنصر البشري، في ظل الأزمات التي يعاني منها لبنان»، وتحددها على الشكل التالي:
«التحدي الأبرز يكمُن في إستمرار تحييد القطاع قدر الإمكان عن تداعيات الأزمة الإقتصادية وخاصة في ما يتعلق بتأمين الكهرباء في المحطات وهو ما تخصص له الإعتمادات الضرورية.
هناك أيضا السرقات المتكررة على الشبكة، بحيث تعرضت إحدى المحطات للسرقة أكثر من 7 مرات، وهو ما يمنع المشتركين من الحصول على الخدمة في المناطق المغطاة بالمحطة المسروقة، وهنا تلفت المصادر إلى «اعتماد خطة إحتوائية لحماية المحطات، وخصوصاً الرئيسية منها من السرقة، أسهمت في الحدّ من عمليات التخريب، ونعمل على توسيع تطبيق هذه الخطة تباعاً».
وتضيف، «من التحديات أيضاً الوفر الذي نحققه بالليرة اللبنانية وضرورة ايجاد الآلية اللازمة لتحويل الأموال الى الدولار لتمويل نفقاتنا بالعملة الصعبة في ظل القوانين الموجودة. اليوم، يمكن لمشترك الخليوي الدفع بالدولار أو اللبناني على صيرفة. نحن في تنسيق مع مصرف لبنان والجهات المعنية من أجل إيجاد الحلول».
ومن أبرز التحديات أيضاً النزف في العنصر البشري وأصحاب الخبرات، حيث خسر القطاع منذ أول الأزمة 30 بالمئة من العنصر البشري والكفاءات، والتحدي اليوم هو في الحفاظ على موظفي القطاع وكذلك تطوير مهاراتهم بشكل دائم.
حاجة للإستثمار
وأخيراً، تؤكد المصادر «ضرورة العمل على مواكبة التطور في القطاع، فالشبكة بحاجة إلى استثمار متواصل وتوظيفات مستدامة لمواكبة التكنولوجيا، وبحاجة لتعزيز الأمن لحماية بيانات المشتركين وزيادة السعات لمواكبة الطلب الكبير على الداتا، وهو ما يتطلب إستثمارات كانت غائبة في الفترة الماضية. وقد وضعت خطة لمعاودة الإستثمار في الخليوي وإن كان على نطاق ضيق إبتداء من 2024، وهم يقومون بالخطوات الممكنة لمواكبة التطور، وقد أطلقوا على سبيل المثال الــVoLTE تمهيداً لإطلاق الجيل الخامس عندما تسمح الظروف بذلك».
وتشير المصادر إلى «الأثر الإيجابي لتعديل الأسعار»، حيث توضح أن «التعديلات في الأسعار والتي تم تطبيقها منذ سنة ونصف، شكلت عاملًا مساعداً في تحقيق الإستقرار في خدمة الخليوي لولا مشاكل الطاقة والمازوت التي طرأت في أوجيرو والتي نعمل على حلها»
3 مراحل توحي بالإنفراج
وفي هذا الاطار، تتحدث المصادر عن «3 عوامل توحي بالانفراج بخدمة أوجيرو، فبعد أن استلموا من وزارة المالية 750 مليار ليرة لبنانية وهو ما سيسهل إعادة تعبئة السنترالات بالمازوت، إضافة الى الهبة الصينية بقيمة 8 ملايين ونصف دولار للطاقة الشمسية، والحصول على حصة من الإتفاقية العراقية اللبنانية في ما يتعلق بتمويل النفط».
الإيرادات والموظفون
وفي ما يتعلق بالإيرادات والنفقات للشركتين، وحصة الدولة من الإيرادات؟ تفيد بأنه «بلغ إجمالي التحويلات للدولة اللبنانية من شركتي الخليوي نحو 3400 مليار ليرة في العام 2022 والمتوقع 10 آلاف مليار ليرة في العام 2023».
وعن أوضاع الموظفين، تلفت إلى أنه «قد تمت تسوية وضع موظفي شركتي الخليوي تدريجياً ضمن خطة تم من خلالها إعطاء زيادات على الرواتب وأيضاً زيادة نسبة الدولار الفريش تدريجياً وبحسب القدرة، بحيث يعمل على تصحيح القيمة الفعلية للرواتب وأصبح وضع الموظفين بتحسن مستمر مقارنة مع العام الماضي».
ووفق المصادر فإن «متوسط الإيرادات لكل مستخدم (ARPU) حافظ على الاستقرار النسبي، من دون أي تغيير يُذكر، حيث تحقق شبكة ألفا راهناً معدل توفر يبلغ بين 96% و98% في كل لبنان، وباتت 310 محطات عائدة إلى ألفا مزودة بالطاقة الشمسية، أي أكثر من 20 بالمئة من الشبكة، وهي تنتج أكثر من 820 كيلووات من الطاقة النظيفة.
وأما تاتش، فقد ارتفع متوسط الإيرادات لكل مستخدم (ARPU) في تاتش أكثر من ستة أضعاف، وتمكنت تاتش من خفض عدد انقطاعات المواقع من أكثر من 300 موقع إلى أقل من 45 موقعاً، مما يعكس تحسناً ملحوظاً في توفر الشبكة من 74% إلى نحو 98%.
وفي ما يتعلق بمؤشر تجربة الزبون (QoE) للشركتين فقد ارتفع أيضاً من مستوى «متوسط» إلى مستوى «ممتاز» وفقاً للمعايير الدولية، لا سيّما في المناطق المأهولة والمناطق التي تتمتع بكثافة سكانية عالية، فضلاً عن تحسين جودة خدمة الاتصالات الصوتية والبيانات الخليوية».
«الهدف المستقبلي»
وعن الهدف المرجو في المستقبل، تشدد المصادر على أن «الهدف الأساس راهناً ينصب على تأمين استمرارية القطاع وضمان استقراره على أن تتم لاحقاً مواكبة التحول الرقمي وتطوير الشبكة، بالطبع في انتظار الظروف المناسبة. فهذه الظروف لم تساعدنا حتى اليوم على تحقيق ليبان تيليكوم من ضمن الخطة التي وردت في قانون الإتصالات 431 لسنة 2002، والذي رمى في حينه إلى توفير الإطار اللازم الذي يحكم تنظيم القطاع، وليرسي قواعد نقله إلى القطاع الخاص».