50 مليار ليرة من “الدولة المفلِسة” لآل سلام

 

 

 

 

وسط عجز مخيف في الموازنة، وفي مرحلة مالية واقتصادية دقيقة وخطيرة، مع “التبشير” بعصر للنفقات، تدفع “الدولة المفلسِة” لآل سلام 50 مليار ليرة.

القصة طويلة ومعقدة قضائياً بعض الشيء، لكنها بالتأكيد تعكس ذهنية اعتاد من في السلطة على ممارستها. ثمة نزاعات كثيرة عالقة بين الدولة وجهات متضرّرة، لكن الاستنسابية تلعب دوراً في تقديم ملف على آخر. النزاع الذي عمره عقود، وكان يفترض ان يكون قد بتّ، حرّكه الرئيس تمام سلام بعيد تعيينه رئيساً للحكومة، وتلقفته حكومة “مكافحة الفساد وسدّ العجز”، بقرار من مجلس الوزراء في 4 كانون الثاني 2018 قضى بنقل اعتماد من احتياطي الموازنة الى رئاسة مجلس الوزراء بقيمة 50 مليار ليرة لبنانية لدفع التعويض لآل سلام والورثة.

جذور المشكلة تعود الى عام 1959 حين أصدرت الحكومة المرسوم 2379 الذي اعتبر أعمال توسعة مطار بيروت من المنافع العامة، ونص باستملاك العقارات 303-305-310-314-316-317 في تحويطة الغدير البالغ مساحتها 72556 متر مربع والتي تعود ملكيتها لآل سلام (الرئيس صائب سلام واشقاؤه وشقيقاته). وقد قدّرت لجنة الاستملاك سعر المتر مربع حينها ب 59 ليرة. لكن “من يوم يومها” حين تقف الدولة ضد نفسها إرضاء ل “الزبون”، قدّرت وزارة العدل في لجنة الاستملاك من خلال مندوبها شفيق السردوك (مقرّب من آل سلام آنذاك وأصبح لاحقاً رئيساً لبلدية بيروت) سعر المتر مربع ب 99,25 ليرة.

عام 1961 قبل آل سلام بالسعر المعروض طالبين تدوين الاعتراض في محضر لجنة الاستملاك. لكن اللجنة رفضت الطلب وقدّرت التعويض على أساس ثمن 59 ليرة للمتر مربع. عندها قبض آل سلام “حقهم” وفق ما قرّرته لجنة الاستملاك (ما يوازي 4 مليون و372 ألف ليرة فيما مطلب آل سلام كان يوازي 7 مليون و200 ألف ليرة)، مع إبداء التحفظ على السعر وتقدّموا بطعن عام 1966 أمام مجلس الشورى، مطالبين لجنة الاستملاك بتسجيل طلبهم. رفض “الشورى” قرار اللجنة وأعاد ملف الاستملاك اليها لتدوين الاتفاق على أن يحال الأمر الى القضاء لتحديد السعر المناسب.

بعدها أصدرت لجنة الاستملاك قراراً عام 1967 قضى بتدوين الاتفاق القاضي بالتعويض على آل سلام على أساس تحديد سعر المتر 99,25 ليرة، وأن يشمل هذا التعويض الاشجار والمنشآت والابنية السكنية القائمة على المساحات المستملكة. لكن الدولة لم تنفذ هذا القرار القضائي، ولم تودع المبلغ الذي يبيّن المبالغ المستحقة لآل سلام، فتقدّموا بدعوى أمام المحكمة الابتدائية في بيروت التي أصدرت حكماً عام 1971 قضى بصحة الاتفاق وبإلزام الدولة تنفيذه والتعويض على آل سلام بسعر 99,25 ليرة.

بعدها استأنفت الدولة قرار المحكمة التي أصدرت قراراً عام 1972 نصّ على فسخ الحكم الابتدائي، واعتبرت ان تصريحات الفريقين لدى لجنة الاستملاك تؤلّف اتفاقا رضائياً، وأن الاتفاق قانوني، وبالتالي حق سلام يقتصر على سعر ال 59 ليرة. مجدداً تقدّم آل سلام بطعن بالقرار الاستئنافي، فأصدرت محكمة التمييز عام 2016، بعد 34 عاماً من النزاع وبالتزامن مع تعيين تمام سلام رئيساً للحكومة، قراراً قضى بقبول “تمييز” آل سلام والسماح لهم بتقديم لائحة مطالبهم، ما يعني إعادة النظر في تعويض الاستملاك غير المدفوع، لتحديد التعويض الواجب تسديده على أساس السعر الحالي للسوق. فخلصوا الى تحديد التعويض على أساس 850 دولار للمتر مربع، مستندين الى قانون موازنة 1999 الذي حدّد رسم أشغال الأملاك العامة ضمن حرم المطار بهذه القيمة.

والخطأ الفادح الذي ارتكبته الدولة آنذاك أنها تأخرت في إجابة محكمة التمييز في الدعوى المقامة ضدها، حيث أن محامي الدولة ربما يكون قد خضع لضغوط ولم يقدّم مطالعته ضمن المهلة القانونية، ما أسقط حق الدولة في تقديم دفوعها.

تبيّن لاحقاً أن الدولة، ممثلة بوزارة الاشغال، قامت بإسقاط أملاك عامة في حرم المطار الى أملاك خصوصية بغية بيع مساحة 9554 متر مربع متاخم للعقار رقم 621 في تحويطة الغدير الملاصق لعقارات آل سلام لصالح شركة “ميدل ايست” بسعر مليون ليرة للمتر المربع.

لاحقاً جرت مفاوضات بين وزارة الاشغال وآل سلام لأنهاء النزاع، واعتماد سعر مليون ليرة للمتر مربع. ولما كانت المساحة المستملكة من آل سلام تبلغ 72556 متر مربع، ولما كانت الدولة قد سدّدت القيمة على أساس 59 ل. للمتر، فإن الفارق في السعر رفع مبلغ التعويض لآل سلام الى 19 مليون و500 ألف دولار!

بعدها جرى عقد مصالحة عام 2016 في عهد وزير الاشغال غازي زعيتر، وجرى التخمين على أساس 850 دولار للمتر وليس مليون ليرة كما اتفق سابقاً، ما رفع المبلغ مقدار 5 ملايين عن التخمين الاول (19 مليون و500 ألف دولار).

وايضاً تمّ احتساب فائدة تأخير عشرات السنوات لدفع المبلغ المستحق، وقدّرت هذه الفائدة ب 9 ملايين دولار، ما يعني أن مجموع التعويض على آل سلام عن فارق السعر في حق أرضهم بلغ نحو 50 مليار ليرة لبنانية (33 مليون دولار).

هكذا وبعد إجراء المصالحة النهائية بين آل سلام والدولة ممثلة بوزير الاشغال يوسف فنيانوس، تمّت الموافقة في جلسة مجلس الوزراء في 4-1-2018 على نقل اعتماد من احتياطي الموازنة الى رئاسة مجلس الوزراء بقيمة 50 مليار ليرة لبنانية لدفع التعويض، وعلى هذا الاساس صدر المرسوم رقم 2856 تاريخ 3-5-2018.

مصدرليبانون ديبايت
المادة السابقةSmartex .. خطوة فعالة لإستعادة دور لبنان كمنصّة اقتصادية في المنطقة
المقالة القادمةاستعدادات لانطلاق “مؤتمر القطاع المالي” في السعودية