خلال الفترة الممتدة بين كانون الثاني 2020 وشباط 2021، شهدت أسواق النفط انخفاضاً في الأسعار إلى أدنى مستوياتها التاريخية. في لبنان، لم يشعر المستهلك كثيراً بهذا الانخفاض لأن الجعالات والرسوم والضرائب التي تفرضها وزارة الطاقة كانت تزداد تدريجاً إلى أن بلغت أقصى حد لها في شباط الماضي. ففي كانون الثاني 2020 كانت قيمة الرسوم والجعالات على صفيحة المازوت تبلغ 1360 ليرة وتمثّل 7.5% من سعر مبيع الصفيحة للعموم، لكنها بلغت في كانون الثاني 2021 نحو 7240 ليرة أو ما يوازي 36.2% من سعر مبيع الصفيحة، ثم ارتفعت إلى 8440 ليرة في نهاية شباط 2021.
كذلك بالنسبة لصفيحة البنزين. كانت قيمة الرسوم والجعالات تبلغ 10 آلاف ليرة أو ما يوازي 40.5% من سعر مبيع الصفيحة، لكن بعد مرور سنة، صارت قيمة هذه الرسوم والجعالات توازي 56.4% من سعر مبيع صفيحة البنزين وقيمتها 16135 ليرة، ثم ارتفعت إلى 18441 ليرة أو ما يوازي 57.2% من ثمن مبيع صفيحة البنزين.
كل ذلك يحصل رغم أن كميات البنزين والمازوت المستورَدة إلى لبنان هي مدعومة باحتياطات مصرف لبنان من العملات الأجنبية. مصرف لبنان يغطّي 90% من فواتير استيراد هاتين المادتين ويتقاضى الثمن بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف يبلغ 1520 ليرة. الحجّة التي تستعملها وزارة الطاقة من أجل منح الشركات الخاصة (استيراد، توزيع، نقل، مبيع على المحطات) هذه الزيادات، أنها مرتبطة بنسبة الـ10% التي لا يغطيها مصرف لبنان بدولاراته وفق سعر صرف 1520 ليرة، أي أنها تُحتسب على سعر السوق، ما يجعل 10% من ثمن البضاعة يُحتسب على أساس سعر السوق الحرّ.
اللافت في هذه المعادلة، أن سعر البضاعة في نهاية شباط، ورغم كل الارتفاعات العالمية التي أصابته، لم يصل بعد إلى المستوى الذي كان عليه في كانون الثاني 2020 في ما خصّ صفيحة المازوت، وهو لا يزال أدنى مما كان عليه بالنسبة إلى صفيحة البنزين. السكوت عن هذا الأمر وترك وزارة الاقتصاد تتحرّك وفق راحتها مع القطاع الخاص، سيشجعها على أن تقوم بخطوات لاحقة من أجل المزيد من الزيادات كلما ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة. فوزارة الطاقة، هي الفاعل الأساسي في هذه المسألة بمعزل عن وحشية القطاع الخاص وجشعه وأطماعه ورغباته الاحتكارية المعروفة. كبح سلوك وزارة الطاقة ضروري لأنها تاخذ في الاعتبار مصالح الفئات الأكثر قوّة، كعادة قوى السلطة في لبنان.
لمصلحة من تقوم وزارة الطاقة بهذا الأمر؟ لمصلحة شركات الاستيراد والنقل والتوزيع وأصحاب محطات المحروقات، الذين راكموا الثروات في السابق على حساب المستهلك؟ هل تريد وزارة الطاقة أن تساعدهم على مراكمة المزيد؟ أم أنها تسعى لتحضير المستهلك على الأسعار الحرّة في السوق؟