أين كنّا وأين أصبحنا؟ أين هي ودائعنا ولماذا تبخرت؟ وهل من أمل باسترجاعها؟ هذا هو لسان حال اللبنانيين والمغتربين الذين شعروا منذ حوالى العام بأنّ ودائعهم هي مجرد أرقام وهمية، وانّ مدّخراتهم وجَنى العمر تبخّر، وانّ كل ما يَجنونه بالكاد يكفي طعاماً. فمتى ينتهي هذا الكابوس ويخرج أحد المسؤولين ويصارح اللبنانيين بالحقيقة ويرسم لهم خريطة الطريق للمرحلة المقبلة؟
في ظل هذه الضبابية السائدة يبدو حتى الآن انّ المرحلة المقبلة ستكون أسوأ من السابقة، فأين قصّرت الدولة؟ وما الخطوات التي كانت لتجنّبنا هذا الهبوط الحاد الى القعر؟
في السياق، يقول المستشار المالي ميشال قزح انّ ما حصل منذ 17 تشرين الأول 2019 حتى اليوم هو لا مساواة بين المودعين، بحيث انّ أصحاب المصارف وبعض النافذين سياسياً ومساهمي المصارف تمكّنوا من إخراج أموالهم من لبنان، في حين انّ أموال بقية الشعب ظلّت عالقة في المصارف. وقال لـ«الجمهورية»: كان يمكن لحاكم مصرف لبنان ان يُصدر تعميماً في 18 تشرين الأول 2019 يفرض بموجبه الكابيتال كونترول لمنع تحويل الأموال الى الخارج، مؤكداً انّ لمصرف لبنان السلطة الكاملة لإصدار هكذا قرار، وقد رأينا كيف أصدر مجموعة تعاميم اتخذ فيها قرارات قوية، منها التعميم رقم 154.
ولدى سؤاله: هل هناك أيّ أمل باسترجاع الودائع العالقة في المصارف؟ أجاب قزح: عندما يدعو أحد النواب الى إعادة تكوين الودائع فهذا يعني انها غير موجودة، وإذا كنّا لا نريد المَسّ بالذهب فهذا يعني انّ المبلغ المتوفّر في البنك من كل دولار هو حوالى 12 سنتاً؟ بما يعني انّ 88% من الودائع غير موجودة.
أضاف: المركزي يرفض اليوم تحويل الودائع الى ليرة، لذلك يُجيز سحب الدولار وفق تسعيرة 3900 ليرة. وبما اننا في وضع غير مستقر لجأ المودعون الى سحب دولاراتهم من المصارف، رغم تعرّضهم الى haircut بنسبة 45 الى 50% عندما كان سعر الدولار مقابل الليرة يتراوح ما بين 7200 و7500 ليرة، بينما ارتفعت هذه النسبة اليوم الى ما بين 55 الى 60% بوصول الدولار في السوق الموازي الى 9000 ليرة.
6 أشهر صعبة
وأكد قزح انّ المرحلة المقبلة، والتي تتراوح ما بين ستة أشهر الى سنة، ستكون صعبة جداً على المواطن اللبناني، خصوصاً انّ سعر صرف الدولار مقابل الليرة مرجّح أن يرتفع في السوق الموازي الى أكثر من 20 ألفاً، الّا انّ الأوضاع ستبدأ بالتحسّن تدريجاً بعد التوقيع مع صندوق النقد، لأنه الجهة الوحيدة القادرة على ضَخ أموال جديدة في السوق. وقال: إنّ عودة الثقة بالقطاع المصرفي ممكنة، لكن هناك عدة خطوات تسبق ذلك، منها: خفض عدد المصارف العاملة في لبنان من 60 حاليّاً الى 10، وإعادة النظر بطريقة عملها، ولاحقاً يمكن جَذب المودعين من خلال إعطائهم دولارات نقداً ربما تبدأ بـ 200 دولار أسبوعيّاً وتزيد مع الوقت، لكنّ ذلك مستحيل قبل 5 سنوات من بدء تطبيق الكابيتال كونترول على ان يبدأ العَد من تاريخ التوقيع مع صندوق النقد.
وتوقّع قزح، في حال لم يوقّع لبنان اتفاقاً مع صندوق النقد، أن يلجأ حاكم مصرف لبنان في القريب العاجل الى رفع سعر الدولار المعتمد في المصارف للسحوبات بالعملات الاجنبية من 3900 ليرة الى 6000 ليرة، مؤكداً انّ المعطيات تشير الى ان لا قرار سياسياً بعد للتوجّه نحو صندوق النقد. ولفت الى انّ الكابيتال كونترول والـbail in هما من ضمن الشروط التي يفرضها صندوق النقد، وتطبيق الـbail in، أي أن يمتلك الدائنون أسهماً في المصارف اللبنانية، هو خطوة مرفوضة من قبل أصحاب المصارف لأنها تعني تغييراً في مُدراء المصارف ومالكيها، مع العلم انّ وضعهم اليوم شبيه بمَن يترأس شركة مفلسة. فالمصارف أقرضَت مصرف لبنان، وهي للأسف لا تزال تأمل باسترجاع أموالها التي هي أموال المودعين، الّا ان هذا الامر مستبعد جداً لأنّ الاقتصاد اللبناني دخل في المربّع السلبي.