للمرة الأولى منذ تشكيلها في 10 أيلول الفائت يخرج من الحكومة رقم لحجم الخسائر يمكن أن يعتمد عليه كطرح رسمي، ليس باعتباره الرقم المنطقي أو الصحيح، إنما لصدوره عن نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، رأس حربة المفاوضات مع” الصندوق”، والخبير السابق فيه. فقد أكد الشامي في حديث تلفزيوني أن الرقم المحدد للخسائر يتراوح بين 68 و69 مليار دولار. وأن التوزيع لن يراعي كل المودعين بل سيحمي الصغار منهم، ويحمل نسبة أعلى لمن استفاد من الفوائد العالية سابقاً.
ملاحظتان سريعتان في الشكل يمكن إعطاؤهما عند قراءة الرقم بحسب مصادر مطلعة: الأولى، أنه أقل بـ14 مليار دولار عن الرقم الذي قدمته لازارد في الخطة السابقة والذي كان بحدود 83 مليار دولار. والثانية، أنه رقم كبير وضعه في المبدأ، أو أقله وافق عليه، جزء أساسي من فريق تقصي الحقائق النيابية المشارك في إعداد الخطة، والذي عمد بنفسه إلى نسف الخطة السابقة من خلال تخفيض حجم الخسائر من 241 ألف مليار ليرة إلى 81 ألف مليار ليرة. وعليه فان رقم 69 مليار دولار للخسائر هو إثبات غير قابل للتشكيك بان لجنة تقصي الحقائق كانت مسرحية لا طعم لها.
إنطلاقاً من الرقم الذي أعلنه الشامي للخسائر (69 مليار دولار) تستنتج المصادر أن “المعنيين بوضع الخطة اقتنعوا باستحالة التحايل على صندوق النقد، وأنهم مضطرون لتقديم أرقام لا تستخف، أقله، بعقول من يقرأها. لكن الرقم المقدم غير كاف لبناء التحليل. ذلك أنه من المهم معرفة قيمة الخسائر المقدرة بالليرة وعلى أي سعر صرف احتسبت. ولنضع جانباً الحقائق التي لن تظهر إلا باعلان الخطة رسمياً فان الترجيحات تذهب بنا إلى استنتاجين رئيسيين:
الأول، ان الخطة أعفت الديون بالليرة اللبنانية من الاقتطاع (الخطة السابقة قضت باقتطاع 40 في المئة).
الثانية، أن المصارف استطاعت خلال الفترة الماضية تكوين مؤونات على القروض المتعثرة. مستفيدة من فرق الفائدة واستبدال الديون بالودائع.
لكن، هل يعني هذا المعطى المستجد استئناف المفاوضات بشكل جدي مع صندوق النقد، والدخول عما قريب في برنامج معه؟
تجيب المصادر أن “التذاكي” بالطريقة اللبنانية لمعالجة الأمور على صندوق النقد الدولي، أو أي من الجهات الخارجية المانحة لن يمر. ولغاية الآن لا يوجد أي مؤشرات جدية تشي بامكانية موافقة الصندوق على ما “يطبخ” محلياً. وما استمرار محاولات التفاوض معه إلا على أمل قبوله بما يمكن أن يقدم الجانب اللبناني. وهنا يبرز سيناريوان: إما رفضه بالكامل لما يقدم، الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من التأزم والإنهيار. وإما قبوله بمساعدة جزئية نتيجة ضغوط سياسية وهذا ما يعطي السلطة “نفساً” إلى بضع سنوات.