لا تعتبر قضية رفع الدولار الجمركي بالسهلة أو التي يُمكن أن تمرّ مرور الكرام، لما لها من انعكاسات مباشرة على حياة المواطنين، ولو أن “المورفين” الذي سيتمّ تقديمه للمواطن هو أنها لن تطال الا الكماليّات، التي أصلاً حُرم منها اللبنانيون نتيجة الأزمة التي يمرّون بها منذ سنوات.
“الموت البطيء” هو ما يعيشه أغلب الشعب اللبناني حالياً، تعمل الاسرة بكاملها حتى بالكاد تتمكن من دفع فاتورة المولّد وإحضار الخبز والطعام اليومي، أغلبنا كان يفكّر بالمستقبل وبالخطوات للتأسيس، لكن اليوم أصبحنا نرزح تحت ثقل همومنا اليومية ننتظر “الفرج”… فجاءت السلطة السّياسية لإطلاق رصاصة الرحمة الأخيرة على الناس، برفع الدولار الجمركي من 1507 إلى 20 الف ليرة فوراً.
النقد والتسليف
في الحالات الطبيعية ولأن الحكومة لا تجتمع يمكن اتخاذ هكذا قرار برفع الدولار الجمركي بمرسوم يصدر عن رئاسة الجمهورية، التي وصلها المشروع الذي أعده وزير المالية يوسف خليل ويتضمن تسعيره على أساس 20 الف ليرة. رفض رئيس الجمهورية ميشال عون التوقيع على المرسوم، معتبراً أنه كفى زيادة أعباء على المواطنين، الأمر الذي لم يعجب رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، الذي أرسل كتاباً إلى خليل يطلب فيه رفع الدولار الجمركي بقرارٍ منه، إستناداً إلى المادة 229 من قانون النقد والتسليف.
ربطت أحكام المادة رقم 2 من قانون النقد والتسليف قيمة الليرة بالذهب الخالص، وأشارت أحكام المادة الرقم 229 من قانون النقد والتسليف إلى أنّ سعر الصرف يُحدّد بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي وبموجب قانون، وعلى وزير المالية أن يتخذ الاجراءات الانتقاليّة، على أن يكون سعر الصرف الانتقالي القانون لليرة اللبنانية مساوٍ لسعر السوق الحرّة سنداً للذهب الحقيقي. وبالتالي وبحسب المادّة، يؤكد المحامي الدكتور باسكال ضاهر أنّ “سعر صرف الدولار بشكل عام (وليس الدولار الجمركي) يكون بقانون يصدر عن مجلس النوّاب أو بقرار يصدر عن وزير الماليّة إنما يجب أن يحاكي سعر السوق الحرّة”.
“لا يوجد شيء إسمه دولار جمركي ودولار غير جمركي وهذه بدعة”، هذا ما يؤكّده ضاهر، لافتاً إلى أن “هذه المادة تسمح تحديد سعر صرف الدولار (أي سعر الصرف الطبيعي بالدولة اللبنانية) وبشكل مرن”، مشدداً على أنه “في القانون لا يوجد سعر للدولار الجمركي وسعر لدولار المصارف”… محذراً من القيام بهذه الخطوة وتحديد السعر، “لأنّ ذلك يخلق سعر صرف جديد اضافة إلى الموجود في السوق السوداء وفي المصارف وفي الدولة، وهذا يؤدي إلى مزيد من الانهيار”.
انعكاس على الاسعار
بدوره، يشدّد الباحث في الدوليّة للمعلومات محمد شمس الدين، في حديث لـ”النشرة”، على أن “الحديث رقم للدولار الجمركي سيطال الكماليات فقط وليس المواد الغذائيّة غير صحيح”، مؤكداً أن “رفعه على السيارات والاطارات والمحروقات سيؤثر على النقل، وحكماً على المواد الغذائية لأنها تنقل من مكان إلى آخر”، مضيفاً: “القرار ب بـ20 الف ليرة سيرفع الأسعار بقيمة 20% فوراً”.
الانعكاس على المحروقات
أما للمحروقات وتحديداً البنزين إحتساب آخر. هنا يشرح شمس الدين أن “على دولار جمركي 1507، سعر صفيحة البنزين سابقاً 16$X1507 ليرة= 24 الف ليرة (يدفع عليها 5060 ليرة كرسوم)، مضيفاً: “على دولار 20 الف ليرة، إذا احتسبنا 16$X20 الف (دولار جمركي)= 320 الف ليرة (67450 رسوم جمركية)+6700 ليرة (ضريبة على القيمة المضافة)= 75 الف ليرة تقريباً (رسوم جمركية عن كل صفيحة بنزين)”.
ويشدد شمس الدين على أن “هذا الرقم هو إذا بقيت الأمور على ما هي عليه، أي مع دعم مصرف لبنان للمحروقات بنسبة معيّنة، والباقي تؤمّنه الشركات من السوق السوداء”، مضيفاً: “إذا تغيّرت هذه المعادلة وارتفع الدولار ومعه سعر البنزين عالمياً وتوقّف المصرف المركزي عن الدعم حكماً سيتغيّر الرقم”.
الايرادات من جراء الرسوم الجمركية بلغت في العام 2021 مبلغ 74 مليار ليرة، والدولة تريد من خلال قرار رفع الدولار الجمركي زيادة ايراداتها لتصل إلى الفي مليار، ولكن بعد رفعه ستجنّ الأسعار صعودا وينخفض الاستهلاك وسيزداد التهريب، وبالتالي لن تصل الدولة إلى ما تريد تحصيله جرّاء هذا القرار وسيدفع المواطن الثمن في مقابل خدمة التاجر الذي ستزداد أرباحه وسيكون هو المستفيد… فلماذا لا تلجأ الدولة إلى البحث عن إيرادات من أمكنة أخرى كزيادة الرسوم على الأملاك البحريّة مثلاً؟!.