نحو 36 ألف طالب يخوضون الامتحانات الرسمية في التعليم المهني بمرحلتيها العملية والخطية في أيار وحزيران المقبلين. الاستحقاق الذي تتزايد كلفته، رغم تراجع أعداد الطلاب تحوّل إلى واحد من مزاريب هدر المال العام مع حشو اللجان الفاحصة بأضعاف العدد المطلوب من الأعضاء، وتعيين مراقبين إداريين لا عمل لهم، ورصد تعويضات لأسماء وهمية
عشية “تركيب” اللجان الفاحصة للامتحانات الرسمية في التعليم المهني والتقني، تشخص الأنظار الى المعايير التي سيجري على أساسها اختيار أعضاء اللجان في المرحلتين التطبيقية (20 أيار) والخطية (17 حزيران)، وكم سيُرصد من اعتمادات لهذا الاستحقاق الذي بات مزراباً مفتوحاً للهدر والتنفيعات، تلامس كلفته السنوية الثمانية مليارات ليرة.
وكانت موازنة العام الماضي مثار أخذ ورد بين المديرية ووزارة المال على خلفية اختراق سقف الإنفاق وتضخيم الأرقام و”نفخ” اللجان بأعضاء لا عمل لهم، لأغراض سياسية وتنفيعية، بعدما فوجئت الوزارة بأتعاب إضافية لم تكن مرصودة في قرار الامتحانات، رغم أنّ مجموع الطلاب المرشحين انخفض عن العام الدراسي الذي سبقه بنحو 500 طالب.
فيما تحدثت مصادر مطلعة، يومها، عن تخصيص المديرية تعويضات لأشخاص بصفة مراقبين عامين ومراقبين عامين إداريين في الامتحانات، من بينهم عمال نظافة وحراس وسائقون وموظفون لا علاقة لهم بأعمال الامتحانات. وقد دفع ذلك المديرية الى خفض الموازنة بنحو 30 في المئة تحت عنوان “ترشيد الإنفاق
، فيما عزته مصادر في المديرية الى “نفخ أعداد أعضاء تسع لجان في الامتحانات العملية، وتمريك تعويضات خيالية لهم”. ولفتت المصادر الى أن الترشيد” لم يميّز بين من حضر فعلا إلى الامتحانات وبين الأعضاء الوهميين، وساوى بينهم لجهة التعويضات، كما لم يترافق مع أي إجراء لمحاسبة المزورين والمرتكبين. وسألت المصادر ما إذا كانت المديرية ستستعين بهؤلاء مجدداً في امتحانات هذا العام، علماً بأنّه مر على وجود بعض الأعضاء في اللجان نحو 20 عاماً.
اللجان التسع “المنفوخة” التي تضم أساتذة “مراقبين مصححين” للمشاريع العملية، وتجول على مراكز الامتحانات في بيروت والمناطق، هي: لجنة المعلوماتية في الامتياز الفني (TS)، لجنة الميكانيك (TS) ولجنة الميكانيك في البكالوريا الفنية (BT)، لجنة الإلكترونيك (TS)، لجنة الإلكترونيك (BT)، لجنة العناية التمريضية (TS)، لجنة التربية الحضانية (TS)، لجنة الطوبوغرافيا (TS)، لجنة الكهرباء (TS). وكمثال على الحشو المبالغ فيه للجان بالأساتذة لأغراض تنفيعية، تشير المصادر إلى أن لجنة المعلوماتية (TS)، على سبيل المثال، ضمّت العام الماضي 106 أساتذة لأربعة طلاب أجروا امتحاناتهم في مركز معهد مهني في الصرفند (الجنوب)! علماً بأن عدد الأعضاء في أي لجنة لا يجب أن يتجاوز 10 أساتذة حدّاً أقصى. وبما أن اللجنة تعقد 3 جلسات عمل في اليوم الواحد، ويبلغ البدل المالي للجلسة الواحدة 75 ألف ليرة، فإن كل عضو من الـ 106 يتقاضى 225 ألف ليرة يومياً، ما يرفع موازنة هذه الجلسات إلى 23 مليوناً و850 ألف ليرة، في حين أنّها لا يجب أن تتعدى مليونين و250 ألفاً! اللجنة نفسها ضمت 120 أستاذاً مراقباً لـ 10 طلاب في مركز المعهد الفني الرسمي في طرابلس. أما لجنة الميكانيك (TS) في مركز مهنية العاملية الخاصة فضمت 50 أستاذاً لـ 20 طالباً! علماً بأن رئيس كل لجنة يتقاضى 10% من تعويضات اللجنة، فيما يتقاضى نائب الرئيس 9%.
الواقع في الامتحانات المهنية الرسمية الخطية لا يقل خطورة على المستوى التربوي، إذ إنّ الأحزاب السياسية هي التي ترفع لوائح بأسماء رؤساء المراكز والمراقبين العامين، وقد يصل عدد المراقبين العامين في مركز واحد إلى 25، في حين لا يحتاج المركز إلى أكثر من اثنين أو ثلاثة كحد أقصى. وتعزو المصادر ذلك إلى تسهيل أعمال الغش التي يساهم فيها أيضاً “مراقبون إداريون” لا عمل محدداً لهم في الامتحانات. والمفارقة التي تشير إليها مصادر أكاديمية متابعة لأحوال القطاع هي تعيين أساتذة متعاقدين من الفئة الرابعة رؤساء مراكز على مراقبي صفوف من أساتذة الملاك من الفئة الثالثة.
تقاضى أعضاء لجنة المعلوماتية 24 مليون ليرة يومياً العام الماضي، فيما لا تتعدى الكلفة مليونين و250 ألفاً
وبحسب المصادر، فإن الهدر يبدأ مع التعويضات التي يتقاضاها أعضاء لجنة الأعمال التحضيرية للامتحانات التي تضم نحو 250 شخصاً بين أستاذ وموظف. إذ تبدأ هذه اللجنة عملها الذي يأخذ شكل ساعات إضافية وجلسات اعتباراً من كانون الثاني حتى تشرين الأول من كل عام. وتتضمن أعمال اللجنة: تبرير اللوائح الاسمية للطلاب المرشحين، بطاقات الترشيح، وضع الأسئلة، تفتيح المسابقات، فرز النتائج والتدقيق فيها، علماً بأن في إمكان الموظفين التدقيق في اللوائح خلال الدوام الرسمي من دون الحاجة إلى ساعات إضافية، كما يمكن تقليص فترة الامتحانات من خمس مراحل تمتد على 18 يوماً إلى 3 مراحل لا تتجاوز 10 أيام.
تصحيح المسابقات الخطية في بعض اللجان يشكّل أيضاً واحداً من أبواب الهدر. إذ غالباً ما يتم اعتماد السيناريو الآتي: يضع المصحح الأول علامة باللون الأحمر على ورقة منفصلة ويودعها رئيس اللجنة ونائب الرئيس، ثم يحصل تواطؤ بين المصحح الأول والمصحح الثاني الذي يضع علامته باللون الأخضر بحيث لا يتجاوز الفرق العلامتين من دون أن يصحح المسابقة فعلاً، وكي لا تحتاج إلى تصحيح ثالث يقوم به رئيس اللجنة، وذلك لمزيد من الاستفادة من الوقت والكسب المادي!