أكثر من 14 مليار دولار بلغ إجمالي البيوعات العقارية في عام 2020 فيما تشير المعطيات إلى أن نحو سبعة آلاف شقة سكنية شاغرة فقط هي ما تبقّى من أصل نحو 70 ألفاً كانت متوافرة قبل عامين. «انتعاش» معاكس لتيار الأزمة الاقتصادية والمالية، لا بل غير مسبوق، لكنه «مؤقت» بحسب ما يرى الخبراء ممن يربطون انهيار القطاع العقاري بانهيار النموذج الاقتصادي الذي غيّب الاستراتيجيات الوطنية للسكن الحضري وهمّش سياسات المأوى. هؤلاء يُجمعون على أهمية أن يترافق الانهيار مع تغيير النهج القديم الذي وصم العقار بالطابع السلعي مع ما يحتمله ذلك من وضع سياسات إسكانية تحيي مفهوم الحق في السكن
وفق تقديرات المُقاولين، زاد مبيع العقارات في الأشهر العشرة الأولى من عام 2020، أي في أوج الأزمة، بنسبة 115% عن الفترة نفسها من عام 2019. ومن أصل 60 – 70 ألف وحدة سكنية شاغرة بين عامَي 2019 و2020، «لم يبقَ اليوم سوى سبعة آلاف وحدة»، وفق ما يؤكد الحلو لـ«الأخبار»، لافتاً إلى أن 80% من الشقق تمّ بيعها.
وأقرّ رئيس نقابة المقاولين بأنّ «ثلاثي» المُطوّر والمُستثمر والمصرف كان «أكثر المُستفيدين من الأزمة». إذ أن شراء الشقق استُخدم كوسيلة لإنقاذ الودائع عبر الشيكات، «وعليه، يضمن صاحب الوديعة حقه بأمواله ويرتاح المصرف من عبء تسديد الديون ويبيع المطوّر شققه».
وكان رئيس قسم البحث والتحليل الاقتصادي في بنك بيبلوس نسيب غبريل أكد، قبل نحو شهر في جلسة «إعلان بيروت العمراني» التي نظّمتها نقابة المهندسين في بيروت، أن القطاع العقاري شهد انتعاشاً غير مسبوق. واستند في ذلك إلى أن عدد المعاملات العقارية وصل في خضم الأزمة، عام 2020، إلى 82 ألفاً و200 عملية، «أي بارتفاع نسبته 62% مقارنة مع تلك المسجّلة عام 2019». كذلك، وصلت مبالغ بيوعات العمليات العقارية العام الماضي إلى 14 ملياراً و400 مليون دولار، أي أكثر من ضعفَي تلك المُسجّلة عام 2019، فيما تجاوزت إيرادات الخزينة من الضريبة على العمليات العقارية في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2020 تلك التي حقّقتها الخزينة طوال عام 2019.
وأكد غبريل أن هذه الوقائع هي نتيجة التوجه نحو قطاع العقارات كوسيلة لإدارة الأزمة، «إذ انتقلت الودائع إلى القطاع العقاري وهو ما يؤكده تراجع الودائع بقيمة 35 مليار دولار، و55% من قيمة هذه الودائع ذهبت لتسديد قروض للشركات وللمطوّرين العقاريين الذين كانوا يعانون منذ سنوات بسبب تراجع الطلب على الوحدات السكنية.
ولعلّ ما يعزّز أهمية الإجماع على تغيير النموذج القديم هو حجم تأثيره على الحق في السكن الذي جرى تهميشه بسبب غياب السياسات الإسكانية. إذ يلفت الخبير في التخطيط الحضري ليون تلفزيان إلى أن العقار، «تاريخياً»، شكّل في ظلّ النظام الاقتصادي الريعي استثماراً مغرياً أفقد السكن قيمته الاجتماعية وحوّله إلى سلعة، «وأدّى تسليع العقارات إلى تضخّم كبير في الأسعار ساهم في طرد كثير من الفئات الاجتماعية من المدينة». وإذا كان ترنّح النموذج الاقتصادي الريعي في الوقت الراهن قد يغير «وظائف» العقار ويعزّز أبعاده الاجتماعية ويؤنسن الحق في السكن، غير أن صمود هذا النموذج، في المقابل، يعني الإبقاء على وظائفه السابقة التي سيذهب ضحيتها مزيد من الفئات الاجتماعية.