87 مليار دولار باقية في حسابات المصارف: شطب الودائع مسار حتمي

في خطاب القسم ثم في خطاب التكليف، استعيد مصطلح «قدسية الودائع» الذي أطلق يوم إسقاط خطّة التعافي التي أعدّتها حكومة حسان دياب. رئيس الجمهورية جوزف عون أشار إلى حماية أموال المودعين، بينما عبّر رئيس الحكومة نواف سلام عن «إنصاف المودعين» قبل أن يعيد صياغة كلامه في مقابلة تلفزيونية في اتجاه «شطب، شطب أموال المودعين».

لم يكن واضحاً ما المقصود بعبارة سلام الأخيرة، إلا أنه كان واضحاً أن قوى السلطة الحالية، كما السلطة السابقة، تخضع للشعبوية في التعامل مع مسألة الخسائر وتوزيعها. إذ لم يجرؤ أحد بعد على مصارحة المودعين وإبلاغهم بما حصل لأموالهم، وما هي نسب الاسترداد الممكنة من مجمل وديعتهم مقابل نسب الشطب المعقولة أو التي تعدّ مقبولة. حتى إن رأس حربة المال في هذه الحكومة، أي وزير الاقتصاد عامر البساط، لم يستطع تقديم رؤية أو تصوّر واضح لما سيكون عليه الأمر، بل بدا كأنه يتماهى مع خطاب الرئيسين المغلّف بكلام يمكن تفسيره بأكثر من طريقة.

إذاً، ما الذي يملكه لبنان من أموال الـ«فريش» مقابل حجم الودائع المسجّلة لدى المصارف؟

بحسب إحصاءات صادرة عن مصرف لبنان،فإن ما تبقى من ودائع بالعملات الأجنبية في نهاية السنة الماضية، يبلغ 87 مليار دولار مقارنة مع 120 مليار دولار في 2019. في مقابل هذه الأموال، لا تملك المصارف سوى 4 مليارات دولار «فريش» في حساباتها لدى المصارف المراسلة وفي المصارف المركزية وهي مخصصة بنسبة كبيرة لتغطية الودائع الجديدة أو «الفريش» التي أودعت لديها بعد الانهيار.

ويملك مصرف لبنان في إطار ما يسمى حساب الموجودات السائلة، نحو 10.35 مليارات دولار منها نحو ملياري دولار احتياطات حرّة جمعها في المدة الأخيرة، ومنها ما يصنّف ضمن «الاحتياطات بالعملة الأجنبية». مجموع هذه الحسابات النقدية لدى المصارف ومصرف لبنان لا يعوّض أكثر من 16.5% من الودائع.

طبعاً هذا الحساب يعدّ بدائياً مقارنة مع المعايير المقترحة في مشاريع القوانين المتعلقة بإعادة هيكلة القطاع المالي. فهذه المشاريع تحدّد معايير تشطب بعض الودائع تلقائياً من معادلة الاسترداد مثل الودائع التي لا تثبت شرعية مصادرها، والفوائد الإضافية التي حصل عليها أصحاب الحساب منذ 2015.

أيضاً هناك من يقول إنه يجب إدراج قيمة الذهب في إطار الحسابات التي ترسم قدرة مصرف لبنان على الدفع، رغم أن الذهب لم يتحرّك وإنما الأمر مرتبط بتسعيرته الورقية بين يوم وآخر. وعلى جانب الاسترداد، فهناك اقتراحات بأن يكون الاسترداد ضمن سقف محدّد وشطور وأنواع، ثم تحويل جزء من الودائع إلى أسهم في المصارف، وتحويل جزء آخر إلى سندات دائمة (perpetual bonds)، وسندات من دون قسيمة (zero coupon bonds)… كلها معايير مرسومة للعلاج، إنما لا تلبي «مبدأ» تقديس الودائع أو إنصاف المودعين ولا حتى القاعدة التي يروّج لها رئيس الحكومة «شطب، شطب الودائع»… في السياق نفسه يردّد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، أنه أنجز دراسة متكاملة عن الودائع بتصنيفاتها المختلفة التي تتيح لأي خطّة مستقبلية التعامل مع ردّ الودائع انطلاقاً من مجموعة خيارات وأولويات هي بغالبيتها مشابهة لتلك الواردة في خطّة حكومة نجيب ميقاتي.

الهيركات أو الشطب هو المسار الإلزامي والحتمي للجميع. والسبب هو أن الودائع لم تعد موجودة في النظام المالي في لبنان، وما تبقى لتغطيتها ليس سوى القليل القليل منها، وأي ردّ للودائع لا يكون فورياً وبالقيم الكاملة سيتضمن شطباً للودائع مقابلها تشطب المصارف من الالتزامات المترتبة عليها للزبائن، ومقابلها أيضاً يشطب مصرف لبنان من الالتزامات المترتبة عليه للمصارف.

إذاً، السؤال المطروح اليوم: هل يستطيع رئيسا الجمهورية والحكومة مصارحة اللبنانيين بهذا الواقع؟ المصارحة هي الخيار الوحيد للقول إن الإنكار لم يعد هو السياسة المتبعة. الإنكار الرائج اليوم، هو مقصود من أجل الشعبوية فقط، للتغطية على عجز السلطة بكل مكوّناتها السابقة والحالية عن التعامل مع الإفلاس الذي بدأ يصبح أداة للاستغلال السياسي الخارجي والمحلي في مرحلة ما بعد العدوان الصهيوني على لبنان.

10،5 مليارات دولار
هي قيمة المبالغ السائلة بالعملة الأجنبية لدى مصرف لبنان في منتصف شباط، أي بزيادة قيمتها 200 مليون دولار عن نهاية كانون الثاني

مصدرجريدة الأخبار
المادة السابقةانخفاض أسعر المحروقات
المقالة القادمةوزارة الاقتصاد “حصان” الاصلاح بدلاً من المالية؟