توقعت «الشركة العربية للاستثمارات البترولية» (أبيكورب) أن يتخطى إجمالي الاستثمارات المخطط لها والملتزم بها في قطاع الطاقة على مستوى المنطقة، نحو 879 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، بزيادة قدرها 74 مليار دولار عن استثمارات العام الماضي التي بلغت 805 مليارات دولار. ويشير تقرير «توقعات استثمارات الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للأعوام 2022– 2026»، إلى تفاوت طبيعة التأثيرات الناجمة عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على مشهد قطاع الطاقة في المنطقة؛ حيث تأتي الدول المصدّرة للطاقة في صدارة الإنفاق على مشاريع الطاقة المتجددة، مستفيدة في ذلك من المكاسب غير المتوقعة من عائدات النفط والغاز، بعد أن أدت الحرب لارتفاع كبير في الأسعار. ومع ذلك، فإن التقلبات الجيوسياسية والظروف العالمية غير المواتية لن تبطئ من نمو الاستثمارات في مجالات النفط والغاز والبتروكيماويات في المنطقة، خلال السنوات الخمس المقبلة.
– المشاريع الملتزم بها
وتمثل المشاريع الملتزم بها –وهي المشاريع التي دخلت حيز التنفيذ– في دول مجلس التعاون الخليجي، نحو 45 في المائة من إجمالي استثمارات الطاقة في المنطقة العربية، وهي نسبة أعلى بـ50 في المائة عن المتوسط العام للمنطقة كلها، والبالغة 30 في المائة لهذه الفئة من المشاريع. أما بالنسبة للدول التي تستورد معظم احتياجاتها من الطاقة في منطقتي المشرق العربي وشمال أفريقيا، فقد تراجعت استثمارات الطاقة فيها، نظراً لتأثر هذه الدول بشكل أكبر بالمخاطر الجيوسياسية الناجمة عن الحرب، والتي تفاقمت نتيجة الضغوط الاقتصادية التي فرضها التضخم وأعباء الديون.
وقال رامي العشماوي، وهو اختصاصي طاقة أول لدى «أبيكورب»: «يكشف التقرير الأخير أن المنطقة تشق طريقاً خاصاً بها نحو تحقيق التحول في قطاع الطاقة؛ حيث تستحوذ دول المنطقة على الحصة الأكبر من استثمارات النفط والغاز العالمية المستقبلية، لضمان أمن الطاقة العالمي، وتفادي مخاطر النمو المتسارع الوشيكة التي تشكل تهديداً كبيراً على الاقتصاد العالمي. وفي الوقت نفسه، تواصل المنطقة الاستثمار في الطاقة النظيفة والمتجددة وتقنيات إزالة الكربون، كجزء من رؤية استراتيجية بعيدة المدى، تهدف لبناء مستقبل منخفض الكربون من خلال اعتماد مزيج أكثر نظافة وتوازناً واستدامة من الطاقة».
– الهيدروجين
وتشير توقعات «أبيكورب» إلى أن الهيدروجين الأزرق والأخضر سيهيمنان على أسواق الهيدروجين الناشئة في شتّى أرجاء المنطقة على المدى القريب؛ حيث سيؤدي ترسّخ أسس أسواق الهيدروجين إلى توسعها. وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا –ودول مجلس التعاون الخليجي وشمال أفريقيا تحديداً- فسيكون التركيز على تصدير الهيدروجين منخفض الكربون عبر شحنات الأمونيا إلى مراكز الطلب في أوروبا وجنوب شرقي آسيا. من جانبه، قال سهيل شاتيلا، وهو اختصاصي طاقة أول لدى «أبيكورب»: «لقد أثبت الهيدروجين الأزرق أنه خيار أكثر جاذبية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على المدى المتوسط؛ حيث يتميز بتكلفة إنتاج منخفضة نسبياً، وتأثير محدود على نماذج الأعمال الحالية لشركات النفط الوطنية والدولية. وهذا مقياس أساسي في رحلة التحول في قطاع الطاقة، نظراً للدور المهم لمنتجي الطاقة الهيدروكربونية في دعم جهود إزالة الكربون في مجال التنقيب عن النفط والغاز، وتحقيق أهداف الوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول منتصف القرن الجاري».
– تنويع مصادر الطاقة
تسعى دول المنطقة لدمج مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الخاص بها، وذلك تماشياً مع هدفها المشترك المتمثل في تنويع مزيج توليد الطاقة بمصادر منخفضة التكلفة ومنخفضة الكربون، لتعزيز أمن إمدادات الطاقة.
يتوقع التقرير أن تعزز المنطقة العربية إجمالي السعة المركبة من مصادر الطاقة المتجددة بنحو 5.6 غيغاواط خلال العام الجاري 2022، ما يعادل ضعف السعة التي تم تشغيلها عام 2021، التي بلغت 3 غيغاواط. وبحلول عام 2026، يتوقع أن تضيف المنطقة 33 غيغاواط من السعة المركبة من مصادر الطاقة المتجددة، منها حوالي 26 غيغاواط على شكل كهرباء وألواح طاقة شمسية كهروضوئية موزعة. كما تتوقع «أبيكورب» أن يواصل الغاز الطبيعي -الذي يعدّ الوقود المهيمن في توليد الطاقة– وتيرة نموه، ويحافظ على نسبة تتراوح بين 70 و75 في المائة من مصادر توليد الطاقة على مستوى المنطقة بحلول عام 2024. ومن المؤشرات الإيجابية على صعيد الاستدامة، يتوقع أن يتراجع استخدام مصادر الطاقة التي تعمل بالنفط من 24 إلى 20 في المائة من إجمالي الطاقة المولّدة بحلول عام 2024.
وفي السعودية، يشير التقرير إلى زيادة توليد الكهرباء عن طريق الغاز خلال السنوات الخمس المقبلة، وانخفاض توليدها من النفط خلال الفترة نفسها، متوقعاً تراجع حصة توليد الكهرباء عن طريق النفط، ضمن مزيج الطاقة لأقل من 30 في المائة في عام 2022، مقارنة بـ32 في المائة في عام 2021.
أما في دولة الإمارات، فيتوقع أن تنخفض حصة الغاز الطبيعي في مزيج توليد الطاقة من حوالي 90 في المائة لأقل من 60 في المائة، خلال السنوات الخمس المقبلة، وذلك في إطار سعيها لتنويع إمدادات الطاقة، عبر استخدام الطاقة النووية والمتجددة.
ولفت التقرير إلى أن مستويات إنتاج الطاقة النووية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال متواضعة نسبياً؛ حيث شكّلت 3 في المائة فقط من إجمالي مزيج الطاقة في 2021.
– اللوائح التنظيمية والأسهم وأسواق المال والقطاع الخاص
ويشير تقرير «أبيكورب» إلى أنه في ظل وقوف شركات النفط والغاز في مواجهة شروط تمويل أكثر صرامة، ولوائح تنظيمية متغيرة باستمرار، ومساعيها الحثيثة للمساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتوفير الطاقة بتكلفة معقولة، تتحمّل الحكومات الجزء الأكبر من الاستثمارات الهيدروكربونية من أجل ضمان أمن إمدادات الطاقة.
وأشار التقرير إلى تضاعف سندات الاستدامة والسندات الخضراء الصادرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2021 أكثر من 3 مرات، مقارنة بـ2020، لتصل قيمتها الإجمالية إلى 18.64 مليار دولار.
كما شهد عام 2021 أيضاً ولادة أول برنامج طوعي لتداول الكربون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من قبل السوق المالية السعودية (تداول)، مما يمهد الطريق لتطوير سوق رسمية لتداول وتبادل تأمينات وتعويضات الكربون.