مع صدور التعميمين 166 و167 من قبل مصرف لبنان يوم السبت، بات معظم المودعين يتقاضون مبلغاً مالياً بالدولار النقدي بقيمة 300 دولار للمستفيدين من التعميم 158 و150 دولاراً للمؤهّلين الجدد عبر التعميم 166 بعد استثناء كلّ من «تشاطر» بعد الأزمة وتاجر بالشيكات وحوّل وديعته من الليرة الى الدولار وسدّد قروضه باللولار واستفاد من صيرفة فوق حدّ معيّن… علماً أن تلك الممارسات سمحت بها المصارف نفسها لا بل تعاونت وحفّزت مودعيها عليها بهدف تجميل ميزانياتها وخفض قيمة مطلوباتها وموجوداتها.
وبما أن التعميم 167 نصّ على احتساب ميزانيات المصارف أي موجوداتها ومطلوباتها على سعر الصرف الرائج أي 89500 ليرة حالياً، فمن المفترض أن يكون سعر صرف الـ15 ألف ليرة المحدّد للقطاع المصرفي قد انتهى، لتنتهي معه السحوبات النقدية من حسابات اللولار على سعر صرف الـ15 ألف ليرة أيضاً في حال أراد المودع سحب أكثر من الـ150 دولاراً المخصّصة له شهرياً! فهل أصبح سعر صرف السحوبات النقدية عند 89500 ليرة مقابل اللولار؟
الجواب هو كلّا. فالتعميم 151 الذي يحدّد سعر صرف السحوبات النقدية عند 15 ألف ليرة مقابل اللولار انتهت مفاعيله أواخر العام الماضي ولم يتمّ تمديده، ما جعل المصارف تستمرّ باستخدام سعر الصرف هذا للراغبين في سحب «لولاراتهم» بنسبة الاقتطاع تلك رغم أنه لم يعد سعر صرف القطاع المصرفي بعد صدور التعميم 167، ولكنه أيضاً لم يستبدل بسعر صرف آخر، وهو الأمر الذي يزيد وضع القطاع المصرفي والمصارف مهزلة في ظلّ اعتماد حدود مختلفة للسحوبات بين 300 و400 و150 دولاراً شهرياً وسعر صرف عند 89500 ليرة لميزانيات المصارف و15 ألف ليرة لسحوبات المودعين الآخرين!
يبقى السؤال: هل ستستطيع المصارف تمويل كلفة تسديد 150 دولاراً شهرياً للمودعين وهي التي عجزت عن الالتزام بتوسيع شريحة المستفيدين من الـ158؟ وماذا سيحلّ بالمصارف بعد اعتماد سعر الصرف الحالي لإعادة تقييم موجوداتها ومطلوباتها؟
من المؤكد أن احتساب ميزانيات المصارف على سعر الصرف الحالي سيؤدي الى تبخّر رساميل المصارف دفترياً وستتأثّر حتماً نسب كفاية رأس المال (CAR) لدى المصارف، لأن اعتماد سعر الصرف الفعلي سيعكس الصورة الواقعية لوضع المصارف المالي وحجم رساميلها وسيولتها وملاءتها. وسيحدّد تالياً (وفق قانون الهيكلة) من هي المصارف القادرة على الاستمرار وإعادة الرسملة ومن هي المصارف التي ستخرج من السوق، إلا أن حجم خسائر المصارف يبقى رهناً بقانون الانتظام المالي وإعادة الهيكلة اللذين سيحدّدان كيفية إعادة تقييم شهادات إيداعها لدى البنك المركزي وكيفية إعادة تقييم مؤوناتها مقابل ودائعها لدى المركزي. وبالتالي، فإن إظهار حجم خسائر المصارف بعد اعتماد سعر الصرف الفعلي سيتمّ تأجيله الى حين وضع خطة شاملة قد تزيل قسماً من أعباء الديون المترتبة على مصرف لبنان تجاهها، ما يشير الى أن إعادة الرسملة أو الإفلاس والخروج من السوق سيبقى مجمّداً الى حين إقرار قانوني الانتظام المالي وإعادة الهيكلة.
طويلة: بداية فرز بين مصارف قابلة وغير قابلة للإستمرار
في هذا الإطار، شدّد الخبير المصرفي سمير طويلة على أهمّية التعميمين 166 و167 ليس لناحية مبلغ الـ150 دولاراً الذي سمح للمودعين بسحبه، بل لناحية تحويل كافة الحسابات من «لولار» الى دولار حقيقي، ووقف جميع أنواع الـ»haircuts» المطبّقة سابقاً. بالإضافة الى ذلك، فإن أهميّة التعميم 166 تكمن في تحويل ميزانيات المصارف من افتراضية الى حقيقية على سعر الصرف الواقعي، ما سيفرز المصارف بين القادرة على الاستمرار والمصارف العاجزة. معتبراً أن ذلك سيفتح المجال أمام المصارف للخوض في مفاوضات في ما بينها حول إعادة الهيكلة من خلال عمليات الدمج أو الاستحواذ.
وفيما أشار طويلة الى أن رساميل المصارف ستتآكل حتماً مع اعتماد سعر الصرف الفعلي، أكد أن هناك مصارف جاهزة ومستعدّة لإعادة الرسملة في حين هناك جزء عاجز عن إعادة الرسملة، وهو الأمر الذي يحتاج الى صدور القوانين اللازمة (الانتظام المالي وإعادة الهيكلة) من أجل استكمال هذا المسار، وتوزيع الخسائر.
وشرح أن التعميم 166 مؤقت لمرحلة قصيرة الى حين صدور قانون الكابيتال كونترول الذي سيحدّد المبلغ الشهري للسحوبات النقدية، موضحاً أنه الى حين إقراره سيكون مبلغ الـ150 دولاراً هو الوحيد المتاح للمودعين لأن أيّ سحوبات نقدية تتخطّاه لن تكون على سعر الصرف الـ89500 ليرة. وبما أنه لا يوجد سعر صرف محدّد للسحوبات الإضافية او للأفراد المستثنين من التعميم 166، فمن يرغب في سحبها على الـ15 ألف ليرة، سيسدي خدمة للمصارف!
وأكد طويلة أن المصارف قادرة على تحمّل كلفة تسديد 150 دولاراً شهرياً للمودعين، وهي كلفة بسيطة، خصوصاً أن مصرف لبنان يتحمّل نصفها، مشيراً الى أن تذمّر المصارف من أي دفعات تفرض عليها بالدولار كتوسيع شريحة المستفيدين من التعميم 158 وغيرها، يعود الى مسعاها الى تحصيل أكبر قدر ممكن من موجوداتها لدى مصرف لبنان في مقابل الحفاظ على سيولتها.
حمود: مصارف إنخفضت ملاءتها الى 4% وأخرى أصبحت سلبية
من جهته، أكد الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود أنه لا توجد مادة في القانون تنصّ على تحديد حدّ أقصى عند 150 دولاراً أو أكثر يجب على المودعين الالتزام بها، ولا وتوجد مادة قانونية أيضاً تجيز احتساب سعر صرف للسحوبات النقدية من حسابات الدولار على الـ89500 ليرة، «هناك حبس للودائع عبر تعاميم مصرف لبنان بالتنسيق مع المصارف في مقابل مودعين «لا حَوْلَ ولا قوّة لهم»!
وأوضح أن التعميم 167 لم يتطرّق الى سعر صرف السحوبات النقدية ويحدّدها عند 89500 ليرة كما أن مصرف لبنان لا يستطيع احتساب سعر صرف السحوبات النقدية التي تتخطى سقف الـ150 دولاراً على سعر صرف الـ89500 ليرة لأنها ستؤثر سلباً على حجم الكتلة النقدية بالليرة في السوق التي تتحوّل الى دولار سريعاً، «وفي حال أراد في المستقبل احتسابها على سعر الصرف الفعلي، فإن السحوبات ستكون «بالقطّارة». مقترحاً اعتماد سعر الصرف الفعلي لكلّ إنفاق غير نقدي من الودائع، أي لتسديد الرسوم والضرائب أو النفقات الصحّية وغيرها من أجل تسهيل شؤون المواطنين وتلبية احتياجاتهم الأساسية.
أما بالنسبة إلى تحويل بيانات المصارف على سعر الصرف الحالي، رأى حمود أنها لا تعدّ إشكالية في حال كان المصرف قد حافظ على ودائعه ضمن موجوداته بما فيها موجوداته لدى مصرف لبنان، لأن ودائع المصارف لدى مصرف لبنان التي تبلغ حوالي 75 مليار دولار والتي تشكّل حوالي 80 في المئة من أموال المودعين، لا تزال تحتسب كموجودات حقيقية على سعر صرف الـ89500 ليرة، «وبالتالي من الطبيعي عند احتساب الموجودات على سعر صرف الـ89500 أن يقابله احتساب مطلوبات المصارف على 89500 ليرة على أن يكون هناك توازن في حال وجود تغطية من موجوداتها لمطلوباتها. أما في حال لم يكن هناك توازن بينهما، فهذا يعني ان المصارف قد باعت ودائعها لدى مصرف لبنان أو أودعت ما حصّلته من دولارات عبر تسديد قروض وغيرها، في حسابات شخصية غير تابعة للمصرف المعنيّ أي استخدمتها خارج إطار ميزانية المصرف وموجوداته، أو خفّضت بنسبة كبيرة قيمة القروض التي تمّ تسديدها مقابل دولار نقدي.
وفي المحصّلة، رأى حمود أن المصارف السليمة تستطيع الصمود والاستمرار رغم أن ملاءتها ستتأثر بشكل كبير وستنخفض من 14% قبل العام 2019 الى 4 أو 5% وفقاً لمعايير «بازل»، في حين أن بعض المصارف ستفقد ملاءتها بالكامل لتصبح سلبية، ما سيوجب عليها إما إعادة الرسملة أو الخروج من السوق. لكن حمود شدّد على أن الوقت لا يزال مبكراً لمعالجة القطاع ككلّ لأن التعميم 166 لا يعتبر الكفيل باتخاذ إجراءات التصفية أو الاستمرار. وختم مؤكّداً أن المصارف قادرة ويتوجب عليها الالتزام بتسديد الـ150 دولاراً شهرياً للمودعين لأنه مبلغ زهيد.