90؜% من الشعب اللبناني يحتاج الى مساعدة وما زال “صامتاً”

كارثة رفع الدعم واقعة لا محالة، والإستحقاق الحكومي رحّل الى الإنتخابات الرئاسية الأميركية كما يتردّد. يتزامن ذلك مع معاودة الدولار إرتفاعه متّجهاً صوب الـ10 آلاف ليرة، الأمر المبشّر بمزيد من التآكل للقدرة الشرائية التي انخفضت بنسبة 80% وصولاً الى عدم القدرة الشاملة على الشراء. في ظلّ تلك الأجواء السلبية المخيّمة، واستبعاد أي دعم خارجي للبنان…، رمى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نهاية الأسبوع الماضي، بشرى بدت ايجابية لكنها غير واقعية، حين قال إن “الأزمة الحادة باتت وراءَنا” من دون اي تعليل يذكر، كيف؟ ومتى؟

تطرح تساؤلات بين الحين والآخر عن الحلول المطروحة لوضعنا الراهن وكيفية توفير السيولة بالعملة الصعبة المطلوبة في ظلّ الفراغ الحكومي…، وآخر “صيحات” المحلّلين التي تتردّد، أن هناك حلين:

إما استخدام الإحتياطي الإلزامي والبالغ 17.5 مليار دولار وهو عبارة عن اموال المودعين، الأمر المرفوض تماماً جملة وتفصيلاً من مصرف لبنان ويحتاج الى قانون.

وإما توجيه الأنظار نحو إحتياطي الذهب الذي لدينا في الخارج والذي بدوره لا يجب المسّ به كونه الضمانة او الثروة الوحيدة التي لدينا والتي باتت تتعدّى قيمتها 18 مليار دولار مع إرتفاع سعر اونصة الذهب الى أرقام قياسية تاريخياً واستقرارها فوق الـ1900 دولار.

وفي هذا السياق يقول نائب رئيس مجلس الوزراء السابق غسان حاصباني لـ”نداء الوطن”: “اذا لم تحصل الإصلاحات وتأتي أموال من الخارج، قد تستغل السلطة معاناة الناس لاقناعهم بأن رهن موجودات الذهب هو فكرة جيدة لاستمرار الدعم. ذلك قد يشتري سنة اضافية من صمت الناس ريثما يحصل حل ربما جراء تبدلات إقليمية. لكن ذلك سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش الهيكل المالي اللبناني وسيرسلنا الى مصاف الدول الفاشلة على المدى البعيد مثل فنزويلا وتشيلي وبعض بلدان أفريقيا”. وصنّف حاصباني مرحلة ما بعد رفع الدعم بالكارثة على أن تكون المرحلة الثالثة الجوع والفقر الشامل.

البطاقة ناجحة؟

وحول البطاقة التموينية التي أمل حاكم مصرف لبنان إنجازها باعتبارها “ستحمي القدرة الشرائية للفئات الأكثر انكشافاً وتجنبهم الجوع والفقر المدقع” كما قال، وتحدّ من التهريب على الحدود كما بات معروفاً، ومدى إمكانية نجاحها أو فشلها، أكّد حاصباني أن احتمال فشل مقاربة البطاقة التموينية هو أكثر من نجاحها وذلك يعود للاسباب التالية:

1- معايير تحديد الأكثر حاجة. عدد كبير من المنتمين الى الطبقة الوسطى وحتى الثريّة أصبح يعاني من مشكلة السيولة ولن يكون بإمكانه تأمين مستلزمات العيش البسيطة بعد رفع الدعم رغم أن بيوتهم وممتلكاتهم توحي بانهم ينتمون الى طبقة ميسورة لكن لا إمكانية لتحويلها الى سيولة. وهذا ما حصل في الحرب العالمية الأولى.

2- آلية توزيع البطاقة غير واضحة وقد تصبح مبنية على المحسوبيات السياسية كما حصل بالمساعدات سابقاً، وتصبح طريقة جديدة لتعويم مجموعات السلطة سياسياً.

من هنا يعتبر حاصباني “أن فشل سياسة الدعم الحالية لا يعني ان البطاقة التموينية هي حلّ أفضل. الأفضل هو إيقاف تهريب المحروقات الى سوريا التي تقدر بنحو مليار ونصف مليار دولار مدعوم سنوياً، إضافة الى ترشيد دعم الادوية والمستلزمات الطبية الذي يوازي 1.6 مليار دولار سنوياً وتقليصه الى أقل من 800 مليون دولار بالتركيز على الصناعة المحلية وتحديد دعم الأصناف بالأدوية الجنيريك الأقل كلفة وعدم دعم أي صنف يمكن تصنيعه في لبنان. كما انه بالإمكان تحديد المستلزمات الطبية الأساسية التي يجب دعمها.

أما بالنسبة الى المواد الغذائية الأساسية فهي ضرورة إنسانية لكل طبقات المجتمع خصوصاً أن هذه الطبقات تقلّصت الى حدّ كبير لتصبح كلها طبقة فقيرة”.

إصلاحات حقيقية

وحول السبيل لحلّ معضلتنا يقول “المطلوب كما بات معروفاً ونردده دوماً البدء بإصلاحات حقيقية وحكومة موثوق بها وتحويل اللبنانيين أموالهم من الخارج الى لبنان، وإفساح المجال امام مساعدات مالية لتدخل عملة صعبة الى السوق اللبناني”.

أما الأجواء الإيجابية التي أشاعها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعيد اللقاء الشهري مع جمعية المصارف ولجنة الرقابة على المصارف، الأخير، حين قال إن الأزمة الحادة باتت وراءَنا وإن مصرف لبنان ولجنة الرقابة سيقومان بكل الإجراءَات المتاحة قانوناً وذلك لإعادة تفعيل مساهمة القطاع في تمويل الاقتصاد، فالرسملة والسيولة أساسيتان لتمويل الاقتصاد، واستمرارية القطاع ترتبط بقدرته على تجديد نفسه، نفى حاصباني علمه بأي معطيات حول ذلك، مشيراً الى أن “لا بوادر تدلّ على ذلك كما أن الحاكم لم يقدّم أية معطيات توضيحية”.

تغيير الواقع

 

واعتبر أن “الأكثرية الحاكمة اليوم لم تعد مجدية لاجتراح الحلول، والثورة منهمكة بتنظيم صفوفها وهي منقسمة الى عدة مجموعات مع أولويات مختلفة. لذلك علينا الإسراع بتغيير المعادلة لان الجوع على ابواب الغني والفقير. ليس الوقت وقت نظريات بل للعمل باتجاه تغييرالواقع الذي نحن فيه”.

في ظلّ هذا الواقع يسرّع الجوع عجلته، والشعب لا يزال يتفرّج على ذلك، فأكثر من 90% من الشعب اللبناني يحتاج الى دعم أو مساعدة، ويقول حاصباني إنه “لا يزال صامتاً لانه منهمك بتأمين المأكل والمأوى، خاصة بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت، أو تأشيرة وبطاقة سفر للهجرة. ويبدو كأن الفقر والجوع يخفتان صوت الناس بدل ان يفعلا العكس، ويجعلانهم منهمكين بتأمين استمرارية الحياة. فهل تجويع وإفقار الناس أصبح أقل الوسائل كلفة لقمعهم وإسكاتهم؟”.

يبقى استحقاق شباط الموعد الأخير لزيادة المصارف رؤوس أموالها بنسبة 20%، حول ذلك اكّد أن “غالبية البنوك تمكّنت من زيادة رأسمالها أو تعمل على ذلك، الأمر الذي قد يتحقّق”، خصوصاً اذا ما ادرك أصحاب المصارف أن الأموال التي سيضخّونها تصبّ في مصلحة بقائهم في السوق وليس الخروج منه، وبالتالي فلن تتبخّرأموالهم وتستولي عليها الدولة!.

مصدرباتريسيا جلاد - نداء الوطن
المادة السابقةإنفجار المرفأ فتح ملف الخطر المُحدق بالخزنات في المنازل
المقالة القادمةالسوق الكويتية تعاود الانتعاش بعد استئناف التداول