لا شيء يبشّر حتى الساعة، بحلّ لأزمة قطاع الموادّ الغذائية بكل مكوّناته. فإلى جانب معاناة الشركات المستوردة لهذه المواد، منذ بدء الأزمة المالية والنقدية، جاءت اليوم أزمة انقطاع المحروقات لتضاعف مصائبها. ورغم إطلاق نقابة مستوردي المواد الغذائية إنذاراً وطلب استغاثة قبل أيام، لإنقاذ القطاع من وضعه الصعب، لم يحرّك أحد ساكناً حتى الساعة، ما يعني أن الأمن الغذائيّ لا يزال في خطر.
في الإطار، ينبّه نقيب مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي إلى أنه: «لا بوادر حلّ. والموضوع أصبح إمّا حياة أو موتاً بالنسبة إلى القطاع»، مطالباً بتأمين مادة المازوت. وأضاف أن كمية المازوت المتوافرة لدى شركات الاستيراد تكفي لأسبوعين كحد أقصى، وهذه الكمية تختلف من شركة إلى أخرى. فتلك التي لديها برّادات تحتاج إلى تشغيلها 24/24 ساعة، تتطلب مصروف مازوت أكبر.
كذلك، لفت بحصلي في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «بعض الشركات المستوردة لديها أدوية ومواد غذائية في آن، وأزمة المازوت أجبرتها على المفاضلة، وإعطاء الأولوية لتشغيل برّادات الأدوية. لذلك عمد البعض إلى الاستغناء عن استيراد المواد التي تحتاج إلى تبريد، أو خفّض الكمية التي يستوردها لتقليل عدد البرّادات، ومصروف المازوت». ولا تقلّ مادة البنزين أهمية بالنسبة إلى هذا القطاع، فهي أساسية لحضور الموظفين إلى الشركات، ولتمكين المندوبين من التنقل والتوجه إلى الأسواق. كما أنها ضرورية لتوزيع المواد الغذائية على السوبرماركت والمحالّ التجارية. «المواد الغذائية موجودة في الوقت الراهن، وقد تكفي لشهر أو شهرين» وفق بحصلي، الذي حذّر من أنه «في حال الاضطرار إلى تلف المواد التي تحتاج إلى تبريد، بسبب أزمة المحروقات، فإن تجديد المخزون منها ليس بالأمر السهل، بل يحتاج إلى أشهر. كما أن ذلك سيكبّد الشركات خسائر مادية كبيرة».
ويتابع أن هناك «مشكلة إضافية قائمة، بسبب تراجع الاستهلاك وانقطاع المازوت، وهي أن بعض محالّ السوبرماركت يعيد المواد المبرّدة إلى الشركات المستوردة، لإطفاء البرادات لديه، وهذه كارثة!». لم تستثنِ الأزمة إذاً محالّ السوبرماركت التي تتأثر بدورها بانقطاع المحروقات، فقد «تراجع بيع المواد المبرّدة والمجلّدة لديها»، بحسب نقيب أصحاب السوبرماركت، نبيل فهد، الذي أكد لـ«الأخبار» أن السوبرماركت تعتمد ترشيد استهلاك الكهرباء، من خلال إطفاء الإضاءة أو المصاعد، ولكنها ملتزمة بعدم إطفاء الكهرباء عن البرادات حفاظاً على سلامة الغذاء.
وقد تخوّف من توقف توزيع وتسليم الشركات للمواد الغذائية، لأن مخزون السوبرماركت يكون في العادة لأسبوع أو أسبوعين فقط، بحسب حجمها.
صحيح أنه لم يُسجّل إقفال أي سوبرماركت حتى اللحظة، إنما عدد منها أقفل أقساماً لديه، بسبب انخفاض الطلب على البضائع الموجودة فيها، كأقسام الأدوات المنزلية وأقسام الألعاب، في حين قام البعض الآخر بجعل عدد من الأقسام أصغر حجماً. يلفت فهد إلى أنه بحسب التقديرات، راوحت نسبة استهلاك المنتجات الغذائية الوطنية، في السابق، ما بين 15 و25%. ولكن بعد الأزمة، ارتفعت هذه النسبة بشكل كبير لتصل إلى ما يقارب 65 أو 70% من مجمل السلة الغذائية. وهذا الأمر يرتبط بعاملين: دعم المواد الأولية الذي ساهم في جعل أسعار المنتجات الوطنية منخفضة، مقارنة مع أسعار تلك المستوردة، ما شجّع المستهلك على شرائها.
والعامل الثاني هو تراجع حجم السلة الغذائية ككلّ، مع الإبقاء على شراء المنتجات الوطنية. وترافق ذلك مع تراجع نسبة توافر عدد من المنتجات الأجنبية، منها على سبيل المثال الزيت النباتي. ويوضح أن ماركات أجنبية فُقدت كلياً من محالّ السوبرماركت، عقب توقف استيرادها نتيجة انخفاض الطلب عليها من قبل المستهلك، كاشفاً في الوقت نفسه، أن أنواعاً كثيرة من المواد الغذائية بلغ استيرادها من تركيا ومصر نسبة 100% في الفترة الأخيرة، بعدما كانت تُستورد من الدول الأوروبية، كالمعكرونة وعلب البسكويت والشوكولا. وأضاف فهد أنه من بين العادات التي تغيّرت أيضاً في ظل هذه الأزمة، هو أن المستهلك لم يعد يلتزم بشراء ماركات معينة اعتاد شراءها، إنما بات يشتري ما يتوفر بأسعار جيدة، حتى إن المعيار الأساسي في الاختيار أصبح السعر!