اليوم عاد المواطنون يفتشون عن بدائل للاستخدام اليومي للسيارة وهم يدركون أن ليس بإمكانهم الاتكال على نقل مشترك أهملته الدولة ولم تعنَ يوماً بتأمينه للمواطن بشكل لائق. الحلول طبعاً، وككل مرة، أتت بمبادرات فردية، بعضها ترقيعي فيما الآخر يطمح للاستدامة.
الـ”كاربولينغ” أو تشارك السيارة يقدم نفسه اليوم كأحد الحلول العملية للتنقل بكلفة مقبولة. المبدأ سهل ومعتمد في كثير من الدول لدوافع بيئية قبل الاقتصادية، حيث يتشارك أكثر من شخص في “التوصيلة” بعد أن يطرح صاحب السيارة الصوت ويعلن وجهته، سائلاً من يرغب بمرافقته في مشواره على ان يتم تقاسم التكاليف.
“خدني معك”، “عَ طريقك”، “وصّلني معك”، تطبيقات على الهواتف الذكية وصفحات على مواقع التواصل أو غروبات على واتساب، بدأت تلاقي إقبالاً كبيراً وعبرها يتداعى الناس الى مساعدة بعضهم البعض من خلال مشاركة رحلة واحدة. وكي تؤمن المصداقية فإن معظم هذه التطبيقات تضع شروطاً لعملية التشارك تطبق على السائق والراكب معاً، كإرسال صورة لصاحب السيارة عن هويته ورخصة القيادة الى المسؤول عن التطبيق او المجموعة ومشاركة أرقام الجوال الخاص بكل الأطراف قبل الرحلة، والالتزام بالوقت المعلن والمتفق عليه ووجهة الرحلة وبالطبع الالتزام بالآداب العامة واحترام الخصوصية، (وعدم التكلم بالسياسة في بعض المجموعات) إضافة الى نشر تعليقات عن انطباعات الطرفين عن الرحلة ليستفيد منها الجميع.
على الرغم من أهميته، إلا أن الـ”كاربولينغ” لا يزال يعتمد على السيارة فيما المطلوب التفكير ببدائل تمكن المواطن من الاستغناء عنها كالنقل المشترك مثلاً. ولكنّ كثراً من “فقراء لبنان الجدد” لا يعرفون بوجود نقل عام في بلدهم، من هنا قامت منذ 2015 مبادرة تشاركية تطوعية عملت على إيجاد منصة للنقل المشترك في لبنان تحمل اسم Bus Map Project، عملت على جمع كل المعلومات المتعلقة بالنقل المشترك ووضع خرائط لخطوطه، بغية خلق الوعي لدى المواطنين بوجود نقل مشترك في لبنان معظم الناس يجهلون وجوده.
شادي فرج وهو عضو مؤسس في جمعية حقوق الركاب يتحدث الى”نداء الوطن” عن أهمية هذه المبادرة ولا سيما اليوم في عز أزمة النقل والبنزين قائلاً:النقل المشترك كان مخفياً لعدة أسباب وموسوماً بوصمة لا يتقبلها الكثير من اللبنانيين، مثل كونه مقتصراً على العمال الأجانب أو أن السائقين يشكلون مافيا زعران وأن الروائح في الباصات كريهة ومزعجة. أردنا كسر هذه الوصمة وإظهار الحقيقة المخبأة عبر نشر مقالات وشهادات لركاب، حول عدم صحة هذه الأمور وجمعنا معلومات حول خطوط النقل المشترك في كل لبنان ووضعنا لها خرائط مفصلة في كل المناطق، ليصبح بإمكان كل مواطن ان يعرف كيف يمكن له التنقل بواسطة الباص في بيروت ومدن ومناطق لبنان.
حالياً تعمل الجمعية مع البلديات واتحادات البلديات لتنظيم خطوط تمر عبرها أو إيجاد وسائل لنقل الركاب ضمن كل بلدية، إضافة إلى العمل على سيارات الأجرة للوصول الى نظام نقل مترابط. والأزمة الحالية يمكن أن تكون فرصة لتوعية الناس على كل خيارات التنقل المتاحة أمامهم.
أما تاكسي الدراجات النارية فظاهرة مستجدة في بيروت وطرابلس حيث حولها اصحابها الى وسيلة لنقل الركاب عملية سريعة و”وفيرة” جداً. فكلفة المشوار لا تتعدى 3000 ليرة وهو مبلغ نسي اللبنانيون نكهته. ويفكر بعض اصحاب الدراجات حالياً بتزويدها بعدة للشتاء اي غطاء نايلون يقي راكبها المطر. وتبقى السكوتر الكهربائية خياراً آخر بدأت بعض التطبيقات تقدمه مثل تطبيق loop الذي يوفر إيجار سكوتر لمن يطلبها فيستطيع ان يتنقل بها ويعيدها ساعة يشاء حسب الاتفاق.
يقول جيلبير رزق المستشار السياسي للمؤسسة أنه من خلال عملهم لخلق مشاريع مستدامة ومن خلال قراءة لأبرز المشاكل التي يعاني منها الناس حالياً، وجدوا أن في أول سلم الأولويات تأمين الطلاب والتلامذة الى جامعاتهم ومدارسهم وتأمين وصول الناس الى أشغالهم. من هنا ولدت هذه المبادرة التي تقوم على دعم المؤسسة لنصف تكلفة النقل لكل اللبنانيين الذين يستقلون الباصات التي تحمل إسم المؤسسة، ليصبح بدل النقل 5000 ليرة بدل 10,000 ليرة لبنانية. علما أن الباصات ستسلك خطوط النقل المشترك المعروفة في منطقة المتن. ودفاعاً عن المبادرة يقول رزق أنه في كافة دول العالم تقوم الحكومات بدعم مواطنيها وتقديم الخدمات الاجتماعية للأقل حظاً، فيما تحمل الفئات الأخرى او الغرباء ضرائب ورسوم أكبر من هنا كان الإصرار على دعم اللبنانيين فقط للاستفادة من هذه المبادرة.