كما كان متوقعاً، خلق توقف مصرف لبنان عن تمويل استيراد المازوت من احتياطاته بالعملات الأجنبية، طلباً إضافياً على الدولار أدّى إلى ارتفاع ثابت في سعر صرفه بقيمة 7100 ليرة بين 16 أيلول الماضي و13 تشرين الأول (أمس)، أي بمعدل زيادة أسبوعي يبلغ 1775 ليرة. مصدر هذه الزيادة الثابتة والمتواصلة هم مستوردو المشتقات النفطية الذين يسحبون شهرياً من السوق الموازية أكثر من 230 مليون دولار لتمويل استيراد كميات المازوت التي يحتاج إليها السوق.
تدريجاً، بدأت السوق «تدولر» مبيعات المازوت. المستوردون صاروا يطلبون من الموزّعين تسديد سعر الصفيحة بالدولار، والموزّعون صاروا يطلبون من المحطات ومن المستهلكين النهائيين، سواء مولدات أو صناعيين أو غيرهم، تسديد سعر صفيحة المازوت بالدولار، حتى إن بعض أصحاب المولدات لا يقبلون حالياً تسديد فواتير المولد الشهرية إلا بالدولار النقدي حصراً.
يقول أحد المستوردين إن قيمة المستوردات الشهرية من المازوت تقدّر بنحو 230 مليون دولار. هذا المبلغ الذي يسحبه المستوردون، وسيواظبون على سحبه شهرياً من السوق. يمثّل نحو 17% من مجمل المستوردات، أي أكثر من 20% من الطلب التجاري على الدولارات في السوق. وجود هذا الطلب الإضافي أمر كافٍ لتبرير ارتفاع سعر الدولار. إنما في الفترة المقبلة، قد تزداد وتيرة السحب لأن الطلب على مادة المازوت يصبح في ذروته مع بدء التحضيرات لحلول فصل الشتاء. وهذا يعني أن وتيرة سحب الدولارات من السوق ستزداد أيضاً، إلا إذا تمكّن المازوت الإيراني من تغطية ما يكفي من الطلب الإضافي لمنع تدهور إضافي في سعر الليرة. لكن بشكل عام، فإن المبلغ الذي يسحبه التجّار حالياً من السوق لتمويل استيراد المازوت، مرشح للانتفاخ أكثر فاكثر على مدى الأسابيع المقبلة. وبالتالي فإن سعر الدولار مرشّح لمزيد من الارتفاع، ولا سيما أن وتيرة الطلب ما زالت على حالها السابق، إذ إن التعويل على أن رفع الأسعار الداخلية للمحروقات سيضرب القوّة الشرائية للمستهلكين ويجبرهم على خفض استهلاك المازوت، كان غير واقعي لأن السوق ما زال يستهلك بالأسعار الحالية كميات كبيرة. هذه الكميات لا يمكن السوق أن يستغني عنها حتى مع ارتفاع الأسعار.
المستهلكون ضُربوا في قوّتهم الشرائية، لكنهم لن يستغنوا بهذه السهولة عن 10 ساعات تغذية بالتيار المنتج في مولدات الأحياء، ولن يستغنوا عن الإنتاج الصناعي لبيعه محلياً أو للتصدير، ولن تتوقف المستشفيات عن العمل بسبب ارتفاع أسعار المازوت، ولا الأفران عن إنتاج الخبز… لذا، فإن العلاقة بين استيراد المازوت وسعر الدولار ستبقى قائمة وبنسبة عالية. المشكلة ستكون في أن يتم وقف تمويل البنزين بدولارات مصرف لبنان. عندها سيصبح الطلب على الدولارات في السوق الموازية، مضاعفاً وسينعكس كارثة في تدهور قيمة الليرة.