في حين يدخل العالم في حلقة ضيقة من الاختناق في مجالي الإمدادات والطاقة على وجه التحديد، تتسارع الدعوات العالمية إلى إيجاد حلول «جماعية» لتخطي المحنة، خصوصاً أنها مقترنة بموجة تضخم واسعة النطاق، وتأتي في وقت نقاهة الاقتصاد العالمي الهشة إلى حد بعيد من أسوأ الأزمات منذ الحرب العالمية الثانية.
ودعا وزير الخزانة البريطاني ريشي سوناك مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، التي عقد وزراء مالها اجتماعاً في واشنطن الأربعاء، إلى مزيد من «التنسيق» لجعل سلاسل التوريد في العالم «أكثر مرونة».
ومشكلات الإمدادات العالمية التي نجمت عن إضرابات وزيادة في الطلب على النقل اللوجيستي مع الانتعاش بعد وباء «كوفيد19»، تضرب بريطانيا خصوصاً وتفاقمت بسبب «بريكست». وهذا يعقد الإجراءات الشكلية لعبور البضائع والعمال ويتجلى خصوصاً في نقص مائة ألف سائق شاحنة. ويشير المراقبون إلى أن أبرز عناصر أزمة الإمدادات تكمن في نقص اليد العاملة ووسائل الشحن وارتفاع أسعار الطاقة.
بدورها؛ تعتزم المفوضية الأوروبية تقديم مجموعة أفكار للمساهمة في حماية المستهلكين والشركات من تداعيات الارتفاع السريع لأسعار الطاقة. وتستهدف المفوضية توفير أدوات فعالة لمساعدة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة دون أن تنتهك القواعد الصارمة لحماية المنافسة الحرة في السوق.
وكان عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد تدخل بالفعل على المستوى الوطني لحماية المستهلكين من الزيادة المفرطة في أسعار الطاقة وفواتير خدمة التدفئة.
ومن المتوقع أن تشتمل «مجموعة الأدوات» التي ستعلنها المفوضية الأوروبية عن إجراءات مماثلة. علاوة على ذلك؛ فإن دولاً، منها إسبانيا وفرنسا واليونان، دعت إلى إجراءات شاملة عبر الاتحاد الأوروبي لمواجهة الأزمة. وترغب هذه الدول في التنسيق بين دول الاتحاد في مشتريات الغاز الطبيعي وتكوين احتياطي مشترك من الغاز وفك الارتباط بين أسعار الغاز والكهرباء.
وبينما تنعقد الاجتماعات في واشنطن وبروكسل غرباً، فإن الشرق مشغول بالقضية. وقال رئيس «موانئ دبي العالمية» يوم الأربعاء إنه ما من نهاية تلوح في الأفق لنقص حاويات الشحن وازدحام الموانئ والارتفاع الشديد لأسعار الشحن مما يؤثر على التجارة العالمية.
ونتجت الاختناقات عن فرض قيود وباء فيروس «كورونا» والتعافي السريع غير المتوقع للطلب مع انتعاش الاقتصادات من الوباء. وقال سلطان أحمد بن سليم، خلال مؤتمر في إطار معرض «إكسبو 2020» في دبي: «هذه هي التعقيدات. لا أحد يعرف كم من الوقت ستستغرق. وأعتقد أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً»، ممتنعاً عن التكهن بموعد انتهاء الاضطرابات. وأضاف أن «المشكلة معقدة؛ لأن لديك شحنات متراكمة».
و«موانئ دبي العالمية» المملوكة للدولة واحدة من أكبر مشغلي الموانئ في العالم؛ فهي تدير أكثر من 90 منشأة في 6 بلدان. وقال رئيس الشركة إن قوة العمل في «موانئ دبي العالمية» ستزيد من 56 ألفاً اليوم إلى نحو 100 ألف خلال ما بين 3 و4 أشهر. وقال متحدثاً لـ«رويترز» إن عدد العاملين يزداد بسبب انضمام موظفين من شركات أعلنت «موانئ دبي العالمية» أنها تستحوذ عليها أو عرضت القيام بذلك.
وتأتي هذه الرؤية بينما توقع صندوق النقد الدولي نمو حجم التجارة العالمية بنسبة 10 في المائة خلال عام 2021، وتراجعها إلى 7 في المائة خلال العام المقبل، وذلك بما يتماشى مع وتيرة تعافي الاقتصاد العالمي من تداعيات وباء «كوفيد19».
وتوقع أحدث تقرير لآفاق الاقتصاد العالمي الصادر في اجتماعات الخريف لصندوق النقد الدولي يوم الثلاثاء أن تنخفض وتيرة نمو التجارة بنسبة 3.5 في المائة على المدى المتوسط، مضيفاً أن الاقتصادات التي تشكل عائدات السياحة والسفر جزءاً كبيراً من دخلها القومي ستعاني من مزيد من التراجع في النشاط السياحي، وسط استمرار القيود المفروضة على السفر والمخاوف بشأن تفشي العدوى.
ويتوقع التقرير استمرار ارتفاع أرصدة الحساب الجاري العالمية للعام الثاني على التوالي خلال 2021، مشيراً إلى أنها ارتفعت بشكل كبير خلال العام الماضي متأثرة بتداعيات انتشار الوباء، حيث تمثل اتساع أرصدة الحساب الجاري في اتساع الفارق بين الصادرات والواردات، والتي تمثلت في ارتفاع صادرات بعض السلع؛ منها المعدات الطبية والإلكترونية، في حين تراجعت الإيرادات الناجمة عن القيود المفروضة على السفر وتراجع أسعار النفط عالمياً.
وأوضح أن توقعات ارتفاع أرصدة الحساب الجاري خلال العام الحالي تعكس عجزاً تجارياً كبيراً في الولايات المتحدة جراء الدعم المالي المتزايد الذي تقدمه الدولة وازدياد معدلات الفائض التجاري، متوقعاً في الوقت نفسه أن تنخفض معدلات أرصدة الحساب الجاري بين عامي 2022 و2026 لتعكس خلال تلك الفترة تراجعاً متوقعاً في العجز التجاري للولايات المتحدة وكذلك في فائض الصين.