يجبر القلق الممزوج بالإحباط جراء تداعيات تأثير شركات التكنولوجيا على استقرار أعمال متاجر التجزئة الأخيرة على مجاراة ارتفاع وتيرة التسوق الرقمي للحفاظ على نشاطها أو على أقل تقدير جني بعض الأرباح دون تسجيل خسائر.
ويقول خبراء إن مواجهة المنصات الرقمية البارزة تشكل تحديا كبيرا جدا، ولكنّ على تجار التجزئة حتى لو لم تكن لديهم الإمكانات لمواجهة هذه المنصات بشكل مباشر أن يفكروا في وضع خطط تتعلق بتعزيز الحضور على الإنترنت، ومنها مثلا إقامة تحالفات.
وتبدو مجموعة كارفور أس.أي الفرنسية التي قالت إنها تعمل على إعداد خطة استراتيجية سيتم الكشف عن تفاصيلها العام المقبل، واحدة من بين الكثير من عمالقة تجارة التجزئة الذين تضرروا، ولم يعد مستغربا بالنسبة إليها التعايش مع فكرة تفادي ما حصل لأكبر سلاسل البيع بالتجزئة التي أغلقت أبوابها.
وأعلنت كارفور عن خطة استثمار بقيمة 3 مليارات يورو (3.5 مليار دولار) في التجارة الإلكترونية، وقالت إنها تهدف إلى مضاعفة قيمة المنتجات التي تبيعها عبر الإنترنت إلى ثلاثة أمثال بحلول العام 2026. ونقلت وكالة بلومبرغ عن المجموعة قولها في بيان إن “التوسع الرقمي من شأنه أن يضيف 600 مليون يورو إلى أرباح التشغيل في نفس العام”. وأشارت إلى أن القيمة الإجمالية للسلع المباعة عبر الإنترنت يجب أن تصل إلى 10 مليارات يورو خلال خمسة أعوام.
وكان الرئيس التنفيذي للمجموعة ألكسندر بومبارد يهدف إلى تغيير مسار سلسلة المتاجر الفرنسية، وقال في يوليو الماضي إن “التجارة الرقمية والإلكترونية سوف تكون محورية في هذه الخطة”. وفشلت كارفور مرتين هذا العام في إبرام صفقة تحويلية لبيع نفسها لشركة أليمنتيشن كوتش – تارد الكندية ثم لاحقا إلى منافستها المحلية أوشان. لكنها في السابق تمكنت من الاستحواذ على حصة أقلية في شركة كاجو الناشئة، والتي تقدم خدمة التوصيل في أقل من 15 دقيقة. كما عقدت أيضا شراكة مع أوبر تكنولوجيز الأميركية لتقديم خدمات الشحن السريع من تسعة مراكز لتوصل الطلبات الصغيرة في أنحاء العاصمة باريس.
وفي صيف 2018 أعلنت شركة التجزئة الفرنسية عن خطط لإبرام شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع منافستها البريطانية العملاقة تسكو تتيح لهما التنسيق المشترك في شراء المواد التموينية من الشركات. وكانت الشراكة مع تسكو الثالثة التي وقعتها كارفور في غضون 6 أشهر خلال ذلك الوقت، بعد الشراكة مع كل من شركتي تينسنت الصينية وغوغل الأميركية لتطوير تجارتها الإلكترونية. ولمواجهة عمالقة التجارة الالكترونية طالب مجلس التجارة الفرنسي في يوليو 2020 الحكومة بحسومات وتخفيضات ضريبية لتمكين الشركات من الاستثمار في المجال الرقمي.
ومن المؤكد أن هذه التحولات ستحصل كذلك مع مرور الوقت في دول أخرى تحت ضغط الشركات العالمية الكبرى التي رسخت أصلا حضورها التجاري على منصات الإنترنت. وفعليا تتعرض سلاسل متاجر البيع بالتجزئة لضغوط متزايدة لتقديم أفضل خدمة لزبائنها الذين يرغبون في توصيل طلباتهم سريعا. وقد شكلت الأزمة الصحية العالمية عنصر ضغط آخر من أجل تعديل نمط عمليات التسويق التجاري.
وساهمت الجائحة وما خلفته من تدابير إغلاق وحجر منزلي في ترسيخ التجارة الإلكترونية كجزء من العادات الاستهلاكية، مما استلزم تحوّلا قسرياً في النماذج الاقتصادية القائمة أدى إلى تسريح الكثير من الموظفين. ويختصر ما حصل في أغسطس العام الماضي هذا الواقع، إذ أعلنت سلسلة متاجر التجزئة البريطانية ماركس أند سبنسر أنها ستستغني عن سبعة آلاف موظف.
وجاء ذلك قبل ساعات من إعلان مجموعة أمازون العملاقة للتجارة عبر الإنترنت توظيف 3500 شخص في الولايات المتحدة. وقد شهد صيف العام الماضي الكثير من الإعلانات المماثلة التي كان لها وقع مدوّ في سوق العمل وخصوصاً في بريطانيا. ووصل زحف التسوق الرقمي إلى مجموعة دبنهامز، ثاني أكبر سلسلة لمتاجر التجزئة في بريطانيا، والتي كشفت هي الأخرى أنها ستغلق العشرات من المتاجر الكبرى وتسريح الآلاف من الموظفين في مختلف أنحاء العالم. وقالت دبنهامز التي تقدمت في أبريل 2020 بطلب لإشهار إفلاسها حينها إنها ستقوم بتسريح 2500 موظف، فيما ستلغي جون لويس 1300 وظيفة وسيلفريدجز 450، كما ستسرّح سلسلة صيدليات بوتس 4 آلاف موظف.