طبعت مجموعة واسعة من الفنادق اللبنانية عبر السنوات ذاكرة لبنان السياحية بطابعها، إذ لطالما كان القطاع الفندقي اللبناني مرآة عاكسة عن صورة البلد الجميل.
باكورة الأزمات الكبرى التي عصفت بالقطاع خلال العقد الأخير تمثلت باندلاع الحرب السورية عام 2011. فبحسب نقيب أصحاب الفنادق، السيد بيار الأشقر، خسر لبنان حوالى 350 ألف سائح كانوا يقصدونه سنوياً من مختلف الدول العربية، من بينهم على وجه الخصوص 200 ألف سائح من الأردن والباقون من العراق ودول الخليج. وأتت هذه الخسارة كنتيجة طبيعية لتدخّل أفرقاء لبنانيين بصورة أو بأخرى في تلك الحرب ورفع البعض شعارات معادية لدول الخليج، مما أدّى إلى منع الكثير من تلك الدول رعاياها من السفر إلى لبنان. وبعد انطلاق العهد الرئاسي الحالي عام 2016، برز تركيز على الأسواق الأوروبية عبر حملات عديدة منها حملة “Visit Lebanon” في تجاهل لدور دول الخليج المحوري في تفعيل السياحة في لبنان وتنشيطها. وبالأرقام، تراجع القطاع بنسبة تقارب 40% مقارنة مع ما كان عليه في العام 2010.
وكأن ذلك لم يكن كافياً. فقد راحت التوترات تتناسل تباعاً في السنوات الأخيرة بدءاً بمفاعيل ثورة تشرين وجائحة كورونا بحيث سجّل القطاع تراجعاً إضافياً بنسبة 90%، مروراً بتدحرج الأزمة الاقتصادية وتداعيات انفجار مرفأ بيروت حيث تدنّت المداخيل 80%، وصولاً إلى أزمة الكهرباء والمحروقات التي وجّهت إلى القطاع “ضربة في الصميم”. ولأن المصائب لا تأتي فرادى، أطلت الأزمة الديبلوماسية الراهنة مع السعودية وبعض دول الخليج الأخرى مهددة بالإطاحة بما تبقى.
هذه الأسباب مجتمعة أرغمت بعض الفنادق على الإقفال الجزئي أو الكلّي كما إلى صرف أو تقليص أعداد الموظفين. وهو ما ساهم بازدياد معدّل البطالة وبإبطاء إضافي للعجلة الاقتصادية المترنحة أصلاً بسبب تراجع الطلب على الحجوزات وإلغاء الكثير منها. في حين أن أزمة شح المحروقات أولاً وارتفاع أسعارها لاحقاً جعلت قدرة التحمل شبه معدومة لدى من عقد العزم على الاستمرار من الفنادق. فغياب الخطط التنظيمية والدعم الحكومي من قبل حكومات “خارج التغطية” انعكس زيادة على الكلفة التشغيلية وبالتالي أسعار حجوزات الغرف.
ويشير الأشقر في هذا السياق أنه، وبعد انفجار المرفأ، أقفلت حوالى 2000 غرفة فندقية إقفالاً كلياً في حين علّق حوالى 560 فندقاً نشاطه جزئياً. وكانت بعض أبرز فنادق العاصمة قد أغلقت أبوابها بسبب الأضرار التي لحقت بها جرّاء الانفجار، مثل فينيسيا، فورسيزنز، ولوغراي.
ثم جاء إصدار وزير السياحة السابق رمزي مشرفية قراراً في أيار الماضي سمح فيه للفنادق بتقاضي تعرفة الغرف بالدولار الفريش من السياح الأجانب مع الإبقاء على التسعيرة بالليرة اللبنانية للبنانيين المقيمين والمغتربين. وأتى قرار الدولار الفندقي ضمن مساع لتفعيل قطاع السياحة ككل ومدّه بالعملات الصعبة لمساعدة المؤسسات على تسديد مصاريفها بالدولار. لكن على الرغم من ترحيب الكثيرين بتلك الخطوة، إلا أن بعض المحللين الاقتصاديين أعربوا عن خشيتهم من أنّ يكرس هذا الحل نوعاً من ازدواجية المعايير تشعر السائح الأجنبي بالإجحاف ما يدفعه مستقبلاً لاختيار وجهات سياحية أخرى.
لا يختلف اثنان أن القطاع الفندقي بحاجة إلى خطط تمكين لتعيد إليه ألقه. فنقابة أصحاب الفنادق كانت ولا تزال تطالب دورياً بتفعيل رزم سياحية بأسعار مشجعة. وما العروضات المقدمة من جميع الأطراف المعنية سوى دليل واضح على جدية العمل على إبصار المبادرات النور. لكن تبقى العبرة في استدامة هذه المبادرات بهدف الاستفادة من إمكانيات لبنان السياحية، الصيفية والشتوية وحتى الدينية منها.
ومن ضمن هذه المبادرات، فقد أطلقت وزارة السياحة الشهر الحالي الرزمة السياحية الشتوية تحت شعار “بجنونك بحبك”، وذلك دعماً للسياحة الشتوية. وقد أبدى وزير السياحة وليد نصار إصراراً على إنجاح موسم السياحة الشتوية لا سيما وأن الأخيرة لا تقتصر فقط على التزلج وإنما على السياحة الريفية والدينية وغيرها.
يرى الأشقر أن الأخطاء المتكررة وقلّة الخبرة في معالجة الأزمات كما غياب التعاون مع النقابة للاطلاع على تاريخ القطاع ومعاناته ومحاولة إنقاذه، كلها أسباب تصعّب تحقيق إنجازات على صعيد إدارة الأزمة. ويبقى “المفتاح” هو المصالحة مع دول الخليج لبلوغ الأهداف المرجوة. فلبنان، والكلام هنا للحايك، كان ولا يزال بلداً سياحياً بامتياز يشتهر بحسن الضيافة والكرم، ورغم الظروف القاهرة التي تمر عليه، يبقى القطاع الفندقي من أبرز مقومات استقطاب العملة الصعبة ناهيك عن تأمين فرص عمل لأكثر من 150 ألف عامل، شرط توفر الاستقرار السياسي والخدمات الأساسية.