صندوق النقد على يسار السلطة: الكابيتال كونترول يخدم المصارف

يأتي النقاش في قانون «القيود الرأسمالية» متأخراً أكثر من سنتين. فعلياً، لم تعد هناك حاجة إلى مثل هذه القيود، بعد الأموال التي بدّدتها قوى السلطة بالتعاون مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. احتياطي العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان تراجع من 39.2 مليار دولار في مطلع 2019 إلى نحو 18.8 مليارات دولار في نهاية أيلول 2021. والأوراق المالية بالعملات الأجنبية التي يحملها مصرف لبنان انخفضت من 7.3 مليار دولار إلى 4.2 مليار دولار. حالياً، يؤكّد سلامة أن ما لديه من احتياطات بالعملات الأجنبية يبلغ 14 مليار دولار، إلا أنه لا يشير إلى أن من ضمن هذا المبلغ 1.1 مليار دولار تلقاها لبنان من صندوق النقد الدولي. بهذا المعنى، بدّدت قوى السلطة وسلامة القسم الأكبر من الذخيرة الأهمّ التي كان يجب الحفاظ عليها لاستعمالها في النهوض. والمفارقة أننا استعملنا 20.4 مليار دولار من دون أن يكون لدينا أي أمل بالنهوض.

في هذا السياق يأتي مشروع قانون «الكابيتال كونترول» الذي رفضه ثلاثة أطراف أساسيين بشكل قاطع في الفترة التي تلت توقف لبنان عن السداد (آذار 2020)؛ الرئيس نبيه بري، سلامة، وجمعية المصارف. أسهم هذا الرفض، سواء بالأصالة أو بالوكالة عن تركيبة السلطة، في ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة بنحو 17 ضعفاً، وتعدّد أسعار الصرف إلى أكثر من 8، وتضخّم في أسعار الاستهلاك يتجاوز 500%، وانزلاق نحو 70% من اللبنانيين إلى الفقر، وتوقعات بموجة هجرة للعمالة الماهرة والمتخصّصة بنحو مليون شخص، كما يأتي المشروع على أبواب «علاقة ما» يتم رسمها مع صندوق النقد الدولي، بشكل سرّي ومتكتم، ويديرها بشكل أساسي نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي يعاونه النائب نقولا نحاس وبعض مستشاري الرئيس نجيب ميقاتي.

ما يطلبه الصندوق هو جوهر المشكلة. أيّ فصل بين مصارف جديدة ومصارف قديمة، هو فصل ضروري للنهوض ويتطلب استقراراً في قيمة النقد. المشكلة هنا مرتبطة بالقوى السياسية التي تنظر إلى القانون من زاويتها فقط؛ بري لم يقتنع بجدوى القانون إلا لأنه يسمح بإعادة مبلغ من المال نقداً للمودعين. هو وعد مغتربين زاروه بأنه سيعيد لهم بعضاً من أموالهم المبدّدة في المصارف ومصرف لبنان. المصارف عليها الكثير من الدعاوى القضائية وباتت تطلب وجود قانون يحميها. مهمّة هذا القانون أن يحميها من إشهار إفلاسها وإبقاؤها مصارف «زومبي». حاكم مصرف لبنان هو الوحيد الذي يعمل بالقطعة. بالنسبة إليه، فإن قانوناً كهذا يشرّع كل عمله السابق في الدعم وتبديد الأموال ويقدّم له هدية التحكّم بالإنفاق الجديد، أي بقاء قنوات التوزيع الزبائني تحت سيطرته، كما يمنحه قبضة حديدية على المصارف التي ستخالفه في أي قرار

 

مصدرجريدة الأخبار - محمد وهبة
المادة السابقةلويس لحود: نعمل على تفعيل وإبرام إتفاقيات جديدة من أجل تسويق المزروعات اللبنانية
المقالة القادمةإعلام من «المالية» حول انتهاء مهلة الإعفاء من الغرامات والفوائد