في كل مرة يتمّ فيها اقتراح قانون للكابيتال كونترول، يُنسف. إما قبل مناقشته، أو خلالها، بصرف النظر عمّا إذا كان منصفاً للمودعين او يصبّ في مصلحة المصارف ومصرف لبنان. تكون الحجج تارة انّ اقتراح القانون لا يراعي متطلبات صندوق النقد الدولي، وطوراً انّه لا يضمن حقوق المودعين، علماً انّ كلّ جهة تعارض اقرار القانون لدى مناقشة مسوداته، هي نفسها التي تصرّح بأنّها تطالب بإقرار قانون الكابيتال كونترول منذ سنتين!
وبعدما كان مقرّراً ان تناقش لجنتا المال والعدل اقتراح القانون الحديث الذي تمّ تعديله ليشمل اقتراحات صندوق النقد الدولي وفق ما أشيع، على ان يتمّ اقراره خلال الجلسة التشريعية اليوم، سقط الاقتراح الذي حاول من صاغه، ان يعالج الأزمة المالية والنقدية والمصرفية، عبر قانون الكابيتال كونترول، من خلال تحويل كل الودائع من الدولار الى الليرة.
وأوضح النائب ميشال ضاهر لـ«الجمهورية»، انّ «الكابيتال كونترول يحتاج الى قانون من سطرين، يقضي بمنع التحويلات الى الخارج، وليس قانوناً لإعادة صياغة النظام المصرفي ينصّ على تحويل السحوبات النقدية من الدولار الى الليرة على سعر صرف المنصة، ومعاملة المودع كمجرم ومحاسبته جزائياً. مشيراً الى انّ اقتراح القانون حدّد السحوبات النقدية، بالليرة اللبنانية من دون استدراك تداعيات هذا الامر، بغض النظر عن انّه غير منصف وعادل للمودعين. وشرح انّه إذا بلغت السحوبات النقدية 5 في المئة من اجمالي الودائع في المصارف البالغة حوالى 100 مليار دولار، أي في حال قام المودعون بسحب 5 مليارات دولار على سعر صرف المنصة، سيرتفع حجم الكتلة النقدية في السوق من 43 ألف مليار ليرة الى 350 الف مليار ليرة».
وقال ضاهر: «هذا الأمر لا يصنّف بالكابيتال كونترول. هذا تحويل لاموال المودعين من الدولار الى الليرة. هذه محاولة لتحويل كافة الودائع الى الليرة، ومحاولة لتحرير الـ14 مليار دولار الموجودة كاحتياطي الزامي في مصرف لبنان». ولفت الى انّ «تحويل الودائع الى الليرة من خلال هذا القانون، يسهّل بالنسبة اليهم، المفاوضات مع حاملي سندات اليوروبوند في الخارج، إذ بعد تحرير الاحتياطي الإلزامي، يمكن استخدام حوالى 5 الى 6 مليارات دولار منه لتسديد قيمة سندات اليوروبوند، في حين يتمّ التسديد لحاملي تلك السندات محلياً، أي مصرف لبنان والمصارف، بالليرة اللبنانية. ليسلب المودعون اموالهم وودائعهم، وتنطلق عملية طباعة العملة الى ما لا نهاية».
وردّا على سؤال، اكّد ضاهر، «انّ المسؤولين استغلوا الضغط الذي مارسه صندوق النقد الدولي من اجل إقرار قانون الكابيتال كونترول، وحاولوا تمرير عملية تحديد السحوبات النقدية بالليرة لأنّهم غير متفقين على الأرقام وعلى حجم الخسائر على عكس ما يُشاع، اعتقاداً منهم انّه في حال اصبحت السحوبات محدّدة قانونياً، بالليرة اللينانية، فإنّ صندوق النقد الدولي لن يكترث بعد الآن الى حجم الخسائر مهما كانت بالدولار». وسأل: «لماذا لم يتمّ الإفصاح عن رقم الخسائر الذي تمّ التوصل اليه؟ هذا دليل على انّ الارقام لا تزال غير موحّدة بين الاطراف الثلاثة».
وخلال جلسة اللجان المشتركة، أكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري على «ضرورة أن يتضمّن أي قانون يتعلق بالكابيتال كونترول بداية حفظ حقوق المودِعين قبل أي بحث آخر». بدوره، أعلن رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان بعد الجلسة: «نحن مع الكابيتال كونترول مبارح قبل اليوم، لكن على ان يكون من ضمن ارقام واضحة. على مصرف لبنان والحكومة ان يلتزما بإحالتها على المجلس النيابي ضمن خطة واضحة». اضاف: «لم يمرّ قانون الكابيتال كونترول الذي استُجد من خارج السياق النيابي والنظامي، والذي كاد يكرّس الاستنسابية من جديد على حساب حقوق المودعين».
من جانبه، أوضح رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان أنّ قانون الـ»كابيتال كونترول» يجب أن يراعي أمرين، أولاً حقوق المودع، وثانياً حتى يكون قانوناً فعّالاً ومجدياً، يجب أن يكون ضمن خطة شاملة تقرّها الحكومة وتتضمّن أرقاماً، وأي قانون يشرّع المخالفات التي ارتُكبت في الماضي من المستحيل أن نقبل به». وسأل: «نحن أمام خسائر كبرى، فما حصة الدولة منها؟ ما حصة مصرف لبنان؟ وما حصة المصارف؟ المودع لن يتحمّل أي جزء من هذه الخسائر».
بدوره، أكّد النائب علي حسن خليل، «أننا مع اقرار القانون من حيث المبدأ، لكن نرفض بأي شكل اقرار قانون يمسّ بحقوق المودعين ويؤمّن ويغطي تهرّب المصارف من التزاماتها تجاه هؤلاء. كل التحليلات لا تُغطى بتعمية حقيقة انّ هناك خللاً واضحاً بعدم اقرار خطة اقتصادية وتحديد الارقام بشكل دقيق من قِبل الحكومة، أرقام الخسائر، ليُبنى على الامر مقتضاه».
وتابع: «لدينا ملاحظات جوهرية على الاقتراح، مرتبطة اولاً بحق السحوبات بالدولار وباللبناني وضرورة تحديدها. الامر الآخر، الاستثناءات حول التحويلات الى الخارج، وكأنّها تريد ان تفتح باب دعم جديد للتجار، بما يسمح بتهريب ما تبقّى من اموال بالعملات الاجنبية في المصارف اللبنانية. هذا الامر لدينا ملاحظة كبيرة وجوهرية عليه. الامر الأخطر وهو المرجعية القضائية، فالمادة الثامنة تغطّي المصارف على حساب المودعين في التقاضي وفي المطالبة بحقوقهم. نحن لا نريد ضرب القطاع المصرفي، لكن بنفس الوقت لا نسمح بأن يغطي نفسه بقانون من فعلنا، يغطي ايضاً كل ما ارتُكب بحق المودعين خلال الفترة الماضية».
وفي هذا الاطار، اعتبر نقيب المهندسين في بيروت عارف ياسين، أنّ «الاقتراح يشرّع لعملية النهب المنظّم لأموال المودعين التي تحصل منذ بدء الأزمة من المصارف، بالاتفاق مع حاكم مصرف لبنان ومع السلطة السياسية الحاكمة، ويعطي حاكم المركزي سلطة مطلقة للتصرف بأموال الناس ومنها أموال نقابتنا ومدخراتها».
وشدّد على أنّ «أي قانون كابيتال كونترول عادل يجب ان يستثني حسابات نقابات المهن الحرة وأموالها من أي قيود وسقوف على حركة التحويلات والسحوبات، على اعتبار انّها حسابات ومدخرات عشرات آلاف المنتسبين للنقابات وليست حسابات أفراد ولا شركات تجارية تبغي الربح». وختم: «ندعو المهندسين/ات إلى الاستعداد للعمل والتحرك بكل الوسائل القانونية من أجل الحفاظ على أموال ومدخرات النقابة».
من جهته، غرّد عضو «تكتل الجمهورية القوية» النائب جورج عقيص كاتباً: «فات الحرامي على البيت، سرق كل الموجودات وترك كم قطعة بلا قيمة. اجا صاحب البيت يلملم الباقي ويشيلو لمحل آمن، منعتو الشرطة ووضعت عليه ضوابط وقيود على النقل، اكيد بدون ما تفتش على السارق وترجّع المسروقات. هيدا بكل بساطة قانون الكابيتال كونترول لا اكتر ولا أقل».
كما رأى عضو «كتلة التنمية والتحرير» النائب قاسم هاشم أنّ «كل الأفكار التي تُطرح تحت ستار اقتراح الكابيتال كونترول لتمرير ما يخدم مافيا المصارف ومن تسبّب بالخسائر، بذريعة تسريع الخطى لنصل الى مساعدة بعض الجهات، لا يمكن ان يمرّ، لأنّه سيكون على حساب المودعين، وهذ ما رفضته اغلبية الكتل النيابية في البدء، ولا يجوز ان يتمّ التعاون مع بعض الطروحات». وقال: «سنلتزم في كتلة التنمية والتحرير الانحياز الى حقوق الناس للحفاظ على ودائعهم».