يعطي إقرار السلطات النقدية والحكومة في لبنان بصعوبة تحديد الرقم الدقيق بشأن خسائر القطاع المالي بالبلاد جراء الأزمة الاقتصادية دليلا على أن الكارثة التي حلت بالبنوك قد تكون أسوأ بكثير مما هو معلن. وتشكو البنوك التي تعد محورية للاقتصاد القائم على الخدمات حالة من الشلل. وقد حالت بين أصحاب المدخرات وحساباتهم الدولارية أو أبلغتهم أن قيمة الأموال التي يمكنهم الحصول عليها انخفضت بعد انهيار الليرة مما زج بشريحة واسعة من السكان في دائرة الفقر.
وقال نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي لرويترز إن المسؤولين “اتفقوا على تقدير حجم خسائر القطاع المالي بما يتراوح بين نحو 68 و69 مليار دولار”، وهو نفس الرقم الذي قدمته الحكومة العام الماضي. لكن الشامي نبه إلى أن الرقم يستند إلى افتراضات. وقال “إذا تغيرت تلك الافتراضات سيتغير حجم الخسائر أيضا” ما يعني أن حجم الخسائر سيكون أكبر في كل الأحوال.
وأشارت تقديرات لمؤسسات مالية دولية تتابع حالة لبنان إلى أن الأزمة السياسية والاقتصادية كبدت القطاع خسائر بقيمة نحو 83 مليار دولار، وهو رقم يتضاءل إلى جانبه الناتج المحلي الإجمالي للبنان البالغ 55 مليار دولار في 2019. وكانت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد أند بورز قد قالت بعد أن تعثر لبنان في سداد الديون العام الماضي إن “المدى الكامل للخسائر لن يتضح إلا حين تعيد الحكومة هيكلة جبل ديونها”.
وأشار خبراء الوكالة حينها إلى أن تكلفة إعادة هيكلة النظام المصرفي قد تتراوح بين 23 مليار دولار إلى 102 مليار دولار، وأن البنوك قد تواجه خفض تصنيفها الائتماني. ويعد الاتفاق على حجم الخسائر في القطاع المالي خطوة أولى ضرورية للحكومة اللبنانية مع سعيها للتفاوض على برنامج دعم من صندوق النقد الدولي. وأدت الخلافات حول حجم الخسائر بين مصرف لبنان المركزي والبنوك التجارية والحكومة إلى انهيار المفاوضات للحصول على برنامج دعم من الصندوق يُنظر إليه على أنه ضروري للبدء في إخراج البلد من أسوأ أزماته منذ الحرب الأهلية.
ويرى محللون أن أي إعادة هيكلة للبنوك التي تضخمت أصولها لتصل إلى 167 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في ذروتها الأخيرة عام 2015، يجب أن تكون جزءا من خطة إعادة هيكلة شاملة. وتظهر بيانات المركزي أن ديون الحكومة للبنوك المحلية تشكل حوالي 25 في المئة من إجمالي الدين العام بالعملة المحلية، والبالغ حوالي 91 تريليون ليرة (60.4 مليار دولار). ومعظم ديون الحكومة لأكثر من 70 بنكا يعمل في لبنان، هي على شكل سندات حكومية اشترتها البنوك في السنوات الماضية.
أما ديون الحكومة للمؤسسات غير المصرفية، فقد بلغت نحو 7.7 مليار دولار على شكل سندات خزينة، ويعد المركزي الدائن الأكبر للحكومة بمقدار 37.2 مليار دولار حتى الربع الأول من هذا العام. وأظهرت البيانات أيضا أن الدين العام بالعملة المحلية والأجنبية تجاوز 97 مليار دولار بنهاية الثلث الأول من هذا العام، عن مستواه البالغ 60 مليار دولار بنهاية عام 2017، نتيجة الاقتراض الضخم وتراكم الفائدة.
ويصف اقتصاديون النظام المالي في لبنان بأنه خطة احتيال منظمة محليا مثل “سلسلة بونزي الهرمية” التي يتم فيها اقتراض المال لسداد أموال دائنين سابقين وتفلح الخطة إلى أن تنفد الأموال الجديدة. وكشف تقرير للمركزي نشره على منصته الإلكترونية في يوليو الماضي بأن الأصول الأجنبية التي بحوزته تراجعت إلى 21.1 مليار دولار، وهو أدنى مستوى لها منذ يونيو 2009، بعد أن كانت عند نحو 38.7 مليار دولار في منتصف سبتمبر 2019.
ويثير نقص السيولة وخاصة الدولار مخاوف أوساط الأعمال من تفاقم الأزمة أكثر مما هي عليه اليوم رغم تخفيف القيود على عمليات السحب من البنوك، خشية الانزلاق في منحدر تآكل الاحتياطات النقدية، والتي أجبرت الشركات على إيقاف نشاطها أو أعلنت إفلاسها.