بوتيرة “مجنونة”، يرتفع سعر صرف الدولار منذ ما قبل عطلة نهاية الأسبوع الماضي، ليسجّل مستويات قياسيّة وغير مسبوقة في تاريخ الليرة اللبنانية، وكأنّ كلّ ما سجّلته العملة المحلّية منذ بدء “مسلسل” الانهيار المالي والاقتصادي قبل أكثر من سنتين لم يكفِ، أو أنّ لدى اللبنانيّين القدرة على تحمّل المزيد من “الانتكاسات”، بعدما فقدوا كلّ سُبُل “المقاومة والصمود”.
ولعلّ المفارقة، وسط كلّ ذلك، أنّ الخبراء والمحللين الاقتصاديين لم يجدوا أيّ “تفسير مقنع” للتحليق “الجنوني” لسعر الصرف، الذي ارتفع أكثر من ثلاثة آلاف ليرة في ثلاثة أيام، إن لم يكن أكثر، من دون أن يحدث ما “يبرّر” ذلك، لا على المستوى السياسيّ، حيث لا تزال “المراوحة” سيدة الموقف منذ أسابيع، ولا حتى على المستوى الاقتصادي، حتى يُقال إنّ الارتفاع جاء “طبيعيًا” وفق قاعدة الأخذ والطلب، التي تتحكّم بالدولار.
وإذا كان البعض رمى الكرة في ملعب التعميم الأخير الصادر عن مصرف لبنان، والذي رفع “الدولار المصرفي”، أو ما يحلو للبعض تسميته بـ”اللولار”، من 3900 إلى 8000 ليرة، فإنّ هناك من يلاحظ أنّ الارتفاع بدأ يُرصَد حتى ما قبل التعميم، وأنّ “المفاعيل العملية” للأخير لم تظهر بعد حتى يحدث ما حدث، وسط تباين وجهات النظر بشأنه، بين “ظلم” المودعين المستمرّ بالتعميم ومن دونه، والمخاوف من “تضخّم” يمكن أن يفضي إليها.
لكن، ماذا بعد ملامسة سعر الدولار الـ30 ألف ليرة، وفي ظلّ “تبشير” العارفين والمطّلعين بأنّه سيبقى “بلا سقف” حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا؟ أين الحكومة من كلّ هذه “المهزلة”؟ وهل تكفي التدابير “الاستثنائية” التي تتّخذها، والتي تتقاطع على كونها “أكثر من خجولة ومتواضعة”، للمواجهة؟ وألا يستحقّ الأمر معالجة من نوع آخر، قوامها “القفز” على المصالح الفئوية؟!.
وفي هذا السياق، يتحدّث البعض عن “ربط” غير منطقي، ولا قانوني، بين الأحداث السياسية وارتفاع سعر الدولار، فإذا شُكّلت حكومة انخفض، وإذا اختلف طرفان ارتفع، وإذا استقال وزير تراجع، وإذا نشبت أزمة هنا أو هناك قفز دفعة واحدة، وكلّها أمور “لا تستقيم” واقعيًا، ولو أنّ “الاستقرار السياسي” مطلب ثابت لتحقيق “الاستقرار الاقتصادي”، علمًا أنّ الارتفاع الأخير لم يقترن أصلاً بأيّ حدث سياسي طارئ أو مستجدّ أو مفاجئ.
وبين هذا وذاك، ثمّة من يعتقد أنّ ما يحدث اليوم ليس سوى “نتيجة” لسياسات اقتصادية متراكمة، وهناك من يجد أنّ “الطريقة الأسهل” للهروب من المسؤولية تكمن في رميها بالكامل عند حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، منفردًا ومن دون أي شريك، ولذلك ربما عاد مطلب “إقالة الحاكم” إلى الواجهة في اليومين الماضيين، بدفع من “التيار الوطني الحر”، وهو مطلب توحي الكثير من المعطيات أنّه “عصيّ” على الترجمة، وسيبقى في إطار “المزايدات” حتى إشعار آخر.
بكلّ بساطة، يمكن القول إنّهم لم يفعلوا شيئًا، واختاروا مرّة أخرى أن يقفوا “متفرّجين” على الوضع وهو ينزلق إلى منحدر أكثر من خطير، إذا ما استثنينا “التدابير الاستثنائية” التي اتخذتها اللجان الوزارية، التي تحاول “الحلول” مكان مجلس الوزراء، والتي تقاطعت كلّ آراء الخبراء الاقتصادية على أنّها غير كافية ولا ناجعة، وأنّها لا يمكن أن تلعب حتّى دور “المسكّنات” التي كانت تُستخدَم سابقًا “حلاً سحريًا” لكل الأزمات، عبر “ترحيلها” إلى أمَدٍ غير معلوم.