البنك الجيّد والبنك السيّئ: لإعادة هيكلة المصارف

إعادة هيكلة القطاع المصرفي عملية شائكة وموجعة، ولا وجود لحل سحري لإنقاذ الودائع والقطاع نظراً لحجم الخسائر غير المسبوق. لكن باب الحل العادل والفعال يبدأ بفصل نشاط المصارف التجاري عن محفظتها الاستثمارية، ومعالجة كل جزء على حدة لانهما مختلفان، ودمجهما في مصرف واحد كان الخطيئة الأكبر.

إن الرخصة المصرفية هي امتياز فريد يعطي المصرف حق جلب او جذب ودائع من المواطن العادي ويستخدم المصرف هذه الودائع في تمويل الاقتصاد، شرط ان يلتزم بمعايير واضحة في الملاءة وتنوع المحفظة والسيولة.  يتم فصل محفظة المصارف من القروض التجارية المتنوعة وهي ما نسميه البنك الجيد، عن محفظة المصارف الاستثمارية في ديون الدولة والبنك المركزي السيادية وهي ما نسميه البنك السيئ. البنك الجيد محفظة قروض مصرفية تجارية متنوعة فيها كذلك اصول متعثرة من مؤسسات وافراد، لكن من الممكن اعادة هيكلة ميزانيته واعادة رسملته واعادة اطلاق نشاطه، واعادة الحياة الى القطاع وفروعه والموظفين فيه. وهذا البنك الجيد سيشكل نواة القطاع المصرفي الجديد بادارات جديدة وتحت رقابة سلطة مصرفية شفافة وبحجم اصغر بكثير يتناسب مع حجم الاقتصاد. وامّا البنك السيئ، اي محفظة المصارف السيادية لدى البنك المركزي والدولة فيتم فصلها ونقلها الى شركة خاصة. هذه الشركة تتحول ملكيتها من المصارف الى المودعين وتصبح دائناً مباشراً للدولة وللمركزي، وتشارك في مفاوضات اعادة هيكلة الديون السيادية مباشرة، ولها نفس المرتبة في المفاوضات والتصنيف مثل كل الدائنين الآخرين للدولة.

الودائع الصغيرة تبقى في البنك الجيد وتضاف اليها نسبة من الودائع الكبيرة قدر امكانية الاستيعاب. هذه الودائع ستحميها عملية اعادة هيكلة الاصول واعادة الرسملة وتنوع محفظة القروض في البنك الجيد، على ان يتم اقرار قانون جديد لضمان الودائع لتحصين القطاع الجديد. أما البنك السيئ فهو شركة خاصة يمتلكها كل المودعين مقابل الودائع التي لم يتسنَّ ابقاؤها في البنك الجيد وبعد استثناء الاموال المشبوهة والفوائد الباهظة الماضية.

لماذا تعتبر هذه المنهجية في اعادة هيكلة المصارف هي الافضل والاعدل والأكثر فعالية لكل المكونات المعنية بالازمة؟

اولاً: المودع الصغير يبقى في المصرف الجيد بعد ان يتم ترشيد ميزانيته واعادة رسملته بعدما اصبح مصرفاً تجارياً تقليدياً متنوع الاصول. وبالتالي نؤمن على الودائع الصغيرة عبر اعادة رسملة سليمة وكافية. واذا لم يتسنَّ ذلك كاملاً يتم تعويض باقي حقوقهم من البنك السيئ.

ثانياً المودع الكبير: الجزء الأكبر من ودائعه سيكون في البنك السيئ اي انه سيمتلك محفظة من السندات السيادية عبر شركة خاصة. هذا لا يحل المشكلة لكنه يحسن من وضعيته في تراتبية تسديد الديون السيادية. إذ بدلاً من ان يقبض من المصارف ما تحصّله من تسديد ديون من الدولة، يصبح هذا المودع هو الدائن المباشر للدولة ويتجاوز المصرف كوسيط ليحصّل حقوقه مباشرة منها، وفي نفس مرتبة الدائنين الآخرين للدولة.

ثالثاً: القطاع المصرفي: تؤمن هذه الخطة انقاذاً سريعاً للقطاع، وتسمح باعادة بنائه عبر فصل الجزء السيئ عنه الى شركة خاصة وعبر اعادة رسملة الجزء الجيد منه، والعودة به الى نشاط مصرفي تقليدي يمول الاقتصاد، وهذه اولوية وطنية ضرورية اذ لا نمو ولا حركة اقتصادية بدون مصارف.

رابعاً: المساهمون يتحملون خسائر البنك الجيد، وهذا امر طبيعي ويسمح لهم باعادة رسملة البنك الجيد اذا جلبوا اموالاً اضافية من الخارج. أما حصتهم في البنك السيئ فيحتفظون بها ولكن لا يحصلوا على اي مردود منها قبل ان يتم تسديد كامل أموال المودعين. وهذا كذلك امر طبيعي في التراتبية المتبعة في اي مؤسسة مالية تعثرت، فالمودع له اولوية مطلقة على المساهمين.

خامساً: الدولة والبنك المركزي: لا تغيير في وضعهما عدا ان الدائن الاكبر لهما يصبح البنك السيئ اي الشركة الخاصة التي يملكها المودعون، وهذا يشكل ضغطاً اضافياً من آلاف المواطنين على الدولة لاصلاح ماليتها وتسديد ما امكن من ديونها.

من شروط نجاحها:

1 – قانون واضح وشفاف لاعادة هيكلة المصارف تشرف عليه هيئات رقابية جديدة موثوق بها،على ان تتولى ادارة جديدة كل مصرف جيد.

2 – الغاء رخصة اي مصرف لم تعد له محفظة قروض تجارية تذكر، اي إلغاء رخصة اي بنك لا بنك جيد لديه ودمج مودعيه في مصارف اخرى.

3 – تتكفل مؤسسة مستقلة متخصصة بادارة البنك السيئ والتفاوض مع الدولة لتعويض اكبر قدر ممكن من الودائع.

4 – إقصاء الاموال المشبوهة والفوائد الباهظة عن اي عملية اعادة هيكلة لتخفيف فاتورة الخسائر وحصرها باصحاب الودائع المحقة.

5 – تقوم الدولة باسترداد الاموال المنهوبة والتحويلات غير الشرعية وغيرها، وتستخدم هذه الاموال لتخفيف خسائر المودعين وتعويضهم في البنك الجيد ثم في البنك السيئ.

6 – تتحمل الدولة مسؤوليتها الجسيمة عن تبديد جزء كبير من اموال المودعين عندما استخدمت الاحتياط لتسديد حاجاتها بدون مقابل، وذلك عبر اصدار سندات خاصة للمودعين اللبنانيين من المدخرين فقط، لدعمهم وتعويض خسائرهم ولتأمين شبكة حماية اجتماعية لضحايا سوء الادارة المالية على مدى عقود.

 

مصدرنداء الوطن - عادل أفيوني
المادة السابقة1.5 مليار دولار من جيوب الناس سنوياً فوق المقبول تنافسياً
المقالة القادمةميقاتي من فشل إلى آخر… والمسلسل دامٍ!