لم تفلح النقابات يوماً في تحقيق مطالب المنضوين اليها ولا حتى الشعب الطامح للتغيير، فكيف بنقابة العاطلين عن العمل، التي تستعدّ للانطلاق عما قريب، مستغلة بطالة الشباب للصعود على ظهرهم الى سطح اللعبة السياسية، فكل شيء في لبنان يبدأ مطلبياً ثم يتحوّل سياسياً.
في المقهى شبان فقدوا اعمالهم، تخرّجوا بإختصاصات مختلفة، علقوا شهاداتهم على الجدران ومضوا يلعبون طاولة الزهر، يرمون الزهر علّهم يحظون برقم الحظ. في هذا المقهى تتعرف على وجوه شابة كلّت وملّت من البطالة والإنتظار على حافة الهاوية، يصغون بإمعان الى خطابات الزعماء علّها تحمل لهم الفرج، لكن من دون جدوى. يمضون في لعب الطاولة وتدخين النرجيلة، اذ بات المقهي ملاذهم الاوحد للهروب من شبح البطالة التي تشكّل قرابة الـ60 بالمئة في منطقة النبطية، ومرجّحة للارتفاع أكثر في ظل التدهور الاقتصادي والاجتماعي.
عين علي، كما يوسف وعيسى، على الحل أولاً والهجرة ثانياً، لا غرابة في أن فكر الشباب بالهجرة، أقله يقتلون البطالة التي قتلت احلامهم، بات حلهم الهجرة لأنهم على يقين ان لا حلول مرتقبة في المدى المنظور، بل المزيد من التعثر والتأزيم.
يرمي محمد بالزهر علّه يصيب التغيير، يمضي في لعبه وهو يطمح للعثور على عمل بإختصاصه في الديكور، فعالم البناء توقف منذ بداية الازمة، فالقطاع في حالة جمود كبيرة، شركات كبرى أقفلت ومشاريع توقفت والعين على الازمة وما بعدها، جل ما يطمح له محمد ان يجد من يقف قربه، يدعمه ليخرج من عنق الازمة من دون جدوى. يضحك حين تسأله عن دور النقابات، فهو لم يؤمن بعملها يوماً، يجدها مسيسة، تتحرك بأدوات واجندة سياسية، وتتلاعب بمصير العمال، ويضحك أكثر حين يسمع بنقابة للعاطلين عن العمل، اذ يقول: “ما كان ينقص الميدان الا نقابة للعاطلين عن العمل”.
لا تحظى النقابات بثقة الناس، لطالما كانت ضدّهم لا معهم، تحوّلت بنظرهم شمّاعة للزعماء وساعي بريد يرسلون عبرها الرسائل المبطّنة، لم تستطع يوماً تشكيل لوبي ضاغط مؤثر، ولم تجمع حولها العمال، ومع ذلك يمضي محمود شحادة المدرّب في الاتحاد النقابي، في تأسيس نقابة للعاطلين عن العمل، ويدعو الجميع الى الانتساب اليها، رغم يقينه ان لا احد يثق بالنقابات، غير انه يؤكد أن النقابة من رحم الازمة وتسعى لدعم للشباب وتطوير قدراتهم ليتمكّنوا من ايجاد فرص عمل، وهو ما دفع مانيسا للسؤال “هل يوفرون لنا فرص عمل أم يبيعوننا كلاماً في الهواء”؟ ومانيسا خريجة إدارة اعمال تعمل حالياً في احد صالونات التجميل براتب زهيد جداً، وتسعى للهجرة فـ”أحلام الشباب دمّروها ولم يتركوا لنا شيئاً، كم من شاب وفتاة عاطلين عن العمل، أو فقدوه بسبب الأزمة؟ اين النقابات من حالنا؟ أين الاتحاد العمالي؟ لم نسمع بأنه شنّ هجومه على السلطة للافراج عن مشاريع انتاجية وتطوير المصانع”.
يدرك شحادة ان نقابته لن تحظى بالثقة الجامعة، سيما وان الكل يطمح لتغيير واقعه وخلق فرص عمل، غير انه يجزم بأن النقابة غريبة فهي ولدت من رحم البطالة والمآسي الإقتصادية والاجتماعية التي تسبّبت بها المنظومة الفاسدة والحكومات المتعاقبة بمباركة من المجلس النيابي، وهي تسعى لمساندة العاطلين عن العمل ودعمهم لايجاد فرص جديدة.
في جمهورية الفوضى، لا عجب إن ولدت نقابة تطالب بحقوق العاطلين عن العمل، وان رفعت شعارات فضفاضة لتستقطبهم وتجذبهم اليها. لوهلة يظن البعض ان النقابة تملك عصا الحل، وأنها تسعى لتأمين فرص عمل وتحسين الظروف المعيشية وقلب الموازين، الا ان الواقع عكس ذلك، فالنقابة المستجدة هدفها بحسب شحادة “تدريب العاطلين عن العمل ليحظوا بفرص عمل افضل”. ولكن هل الفرص متوفرة أصلاً، وهل يؤمن الشباب بعمل النقابات، بعدما ضاق ذرعا بها، ومن سياساتها الالتوائية التي تخدم السلطة اكثر من الطبقة العاملة؟
يؤكد شحادة على اهمية التجربة ويدعو العمال الى ان يتوحدوا معاً لمواجهة واقعهم، ويشكلوا “لوبي” ضاغطاً في وجه السلطة الفاسدة. أكثر من 60 بالمئة هي نسبة العاطلين عن العمل في منطقة النبطية، وأكثر من 40 بالمئة من الشباب خسروا أعمالهم بسبب الازمة الراهنة، هؤلاء دخلوا قسراً الى جمهورية العاطلين عن العمل، جمهورية باتت تشكل ثلث المجتمع اللبناني، الطامح للخروج من عنق الزجاجة، وقلب موازين المعركة الدائرة حالياً.