يتأهب الاقتصاد العالمي لخروج روسيا (الاقتصاد الـ11 على مستوى العالم بناتج محلي يتخطى 1.5 تريليون دولار) من المعادلة، في وقت يحتاج فيه العالم إلى تكاتف جميع الدول للخروج من مرحلة ضبابية ارتفعت وتيرتها بحرب ستطول أمدها اقتصادياً لا محالة بعد غزو أوكرانيا، سلة الغذاء في أوروبا.
ففي الوقت الذي ستعاني منه روسيا نتيجة إخراجها (أكبر بنوكها حالياً وسط دعوات بأن تطول العقوبات باقي بنوكها) من نظام «سويفت» المصرفي العالمي، فإن التجارة في أوروبا ستتأثر لا محالة، نظراً لأن البنوك الروسية الكبيرة مندمجة بعمق في النظام المالي العالمي، مما سينعكس على كل المعاملات التجارية مع باقي دول العالم ومن ثم الاقتصاد العالمي، وسط توقعات بتخفيض معدلات النمو المتوقعة خلال العالم الجاري نتيجة آثار الحرب.
كان صندوق النقد الدولي قد توقع أن يسجل النمو العالمي تراجعاً من 5.9 في المائة في عام 2021 إلى 4.4 في المائة في عام 2022، في بداية العام الجاري، أي قبل أن هذه التوقعات لم تأخذ في الاعتبار تداعيات الحرب على الاقتصاد العالمي.
ومن المرجح أن تضر العقوبات الغربية بالروبل الروسي بشدة عندما تفتح الأسواق اليوم الاثنين، بما يؤدي لاختفاء كثير من الواردات المتجهة إلى روسيا. وفق سيرجي اليكساشينكو نائب الرئيس السابق للبنك المركزي الروسي الذي يعيش الآن في الولايات المتحدة. والذي أضاف، وفق «رويترز»: «هذه هي النهاية لشطر رئيسي من الاقتصاد. فنصف السوق الاستهلاكية سيختفي».
وقد استهدفت العقوبات الأميركية السابقة على عدد محدود من البنوك الروسية بما فيها سبير بنك وفي.تي.بي القسم الأكبر من تعاملات يومية في الصرف الأجنبي قيمتها حوالي 45 مليار دولار تنفذها مؤسسات مالية روسية. واستهدفت تلك العقوبات حوالي 80 في المائة من كل الأرصدة المصرفية في روسيا.
غير أن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، أعلنت أن الاتحاد الأوروبي يريد «شلّ» أصول البنك المركزي الروسي، لمنع موسكو من استخدامها لتمويل النزاع في أوكرانيا أو لمواجهة تأثير العقوبات الدولية.
من جانبه، أكد البنك المركزي الروسي، في بيان أمس الأحد، أنه يملك الموارد اللازمة للحفاظ على استقرار القطاع المالي في البلاد. وأضاف: «النظام المصرفي الروسي مستقر، ولديه القدر الكافي من رأس المال والسيولة ليعمل بسلاسة وبدون توقف في أي حالة».
وتمثل جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) شبكة مؤمنة للتراسل لضمان المدفوعات السريعة عبر الحدود وقد أصبحت آلية أساسية لتمويل التجارة العالمية. وقالت سويفت أمس، التي تتخذ من بلجيكا مقراً لها وتربط أكثر من 11 ألف بنك ومؤسسة مالية وشركة حول العالم، قالت أمس إنها تتواصل مع السلطات الأوروبية لفهم تفاصيل الإجراءات الجديدة التي قررت بموجبها الولايات المتحدة ودول أوروبية استبعاد مؤسسات مصرفية روسية من النظام البنكي الدولي.
وبديلاً لشبكة سويفت أنشأت روسيا شبكة خاصة بها اسمها نظام نقل المراسلات المالية، لكنها أقل انتشاراً. ويقول البنك المركزي إن عدد المراسلات على هذه الشبكة بلغ نحو مليونين في 2020 أي حوالي خُمس حركة التراسل الداخلية الروسية ويستهدف البنك المركزي رفع النسبة إلى 30 في المائة في 2023. ويمكن للعقوبات المفروضة على البنك المركزي الروسي أن تحد من استخدام بوتين لاحتياطاته الدولية التي تزيد على 630 مليار دولار ويُنظر إليها على نطاق واسع على أنها تحمي روسيا من بعض الأضرار الاقتصادية.
ومن المقرر أن تدخل الإجراءات، التي تشمل قيوداً على الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي الروسي، حيز التنفيذ في الأيام المقبلة ويقول مسؤولون إن بعض الإعفاءات لقطاع الطاقة قيد البحث.أما على الصعيد الأوكراني، فإن كييف تلقب بـ«سلة خبز أوروبا» لأن المساحات الزراعية فيها أكثر من ثلثي مساحتها، وتبلغ صادراتها من الذرة أكثر من 4.8 مليار دولار، وزيت زهرة الشمس 3.8 مليار دولار، والقمح 3.11 مليار دولار، أي ما مجموعه 11.7 مليار دولار.
وعلى المستوى العالمي، تشكل 12 في المائة من إنتاج القمح، و16 في المائة من إنتاج الذرة، و18 في المائة من إنتاج الشعير؛ لذلك فإن سلة الغذاء العالمية على موعد مع ارتفاعات في الأسعار ستنعكس على معدلات التضخم العالمية.