رعى وزير الثقافة محمد داوود، “مهرجان القرية العالمية” الذي أقامته ثانوية منارة جبل عامل في المروانية، لمناسبة “يوم التراث العالمي”، في حضور فاعليات ثقافية وتربوية وعدد كبير من الأهالي.
بعد النشيد الوطني، ألقى داوود كلمة رأى فيها أن “ليس غريبا أن نجتمع اليوم في بلدة المروانية العاملية، وتحديدا لمناسبة “يوم التراث العالمي”، لحماية التراث الإنساني وإحياء “مهرجان القرية العاملية” الذي أطلقته مشكورة ثانوية “منارة جبل عامل”. وليس غريبا على هذه البلدة المعمورة منذ عصور قديمة، فتعدد المغاور على أنواعها بين مغاور دفن الموتى ومغاور كانت تستخدمها الجيوش لتخزين الأسلحة والمواد التموينية أو للاقامة الطويلة في أزمنة الحصار، تشير إلى أن هذه المنطقة كانت تشكل النقاط الخلفية للجيوش التي كانت تحاصر صيدون، صيدا الحالية، في العصور الموغلة في التاريخ، وبخاصة في الزمن الفينيقي. وكما تعلمون، هذه المعطيات لا تكفي للدلالة إلى أن البلدة كانت قائمة ومأهولة بشكل مستمر في تلك الأزمنة، إلا أن بعض المعالم تؤكد وجود البلدة في مرحلة مواجهة المسلمين للصليبيين في العصر المملوكي، الذين كانوا يغيرون بين الحين والآخر على ميناء صيدا وميناء الصرفند، حيث كان للبلدة الدور الأساسي في تنبيه جيوش المسلمين لأي طارىء يخشون حدوثه من البحر”.
أضاف: “كان لموقع البلدة الجغرافي الدور الكبير، فالتلال والمرتفعات المتعددة التي تحيط بالبلدة من كل الجهات، تساعد أهالي البلدة لتأدية دور “الخفير” وتوجيه الإنذار المبكر لجيوش المسلمين ومركز الولاية في دمشق إزاء أي خطر داهم من خلال إشعالهم للنيران على تلال القرية، وحين تشتعل النيران على هذه التلال يراها المولجون بالحراسة في قمم “جبل الشيخ”، حيث يبادرون إلى إشعال النيران هناك، فتراها حامية مدينة دمشق فتتخذ الإجراء اللازم لذلك”.
وتابع: “انطلاقا من هذا الموقع الجغرافي المتميز والتاريخ القديم للبلدة، حظيت البلدة بوجود العديد من الأماكن الأثرية فيها، من مغاور إلى الأبنية القديمة، إلى الآثار الكثيرة التي نعتقد أنها موجودة في هذه البلدة. خلال الفترة التي تبعت فيها صيدا ومنطقتها لولاية عكا في عهد أحمد باشا الملقب بالجزار، حصلت أحداث أدت إلى حرق وتدمير بلدة المروانية كاملة وقتل سكانها واضطر من بقي منهم إلى الفرار باتجاه “إقليم التفاح” بشكل خاص. لم يغب من نجا من أهالي البلدة طويلا عن بلدتهم، فحين تولى “الشيخ علي صعب” إدارة إقليم الشومر أوائل القرن التاسع عشر، كانت البلدة استعادت موقعها كمركز لإقليم الشومر. فاتخذها الشيخ علي مقرا لإقامته. والشيخ علي صعب هو مؤسس الأسرة الصعبية التي انحدر منها آل الدرويش وآل سهيل والصعبي وآل شبيب، وأنجبت الكثير من الرجال، منهم محمد علي شبيب وحسين بك الدرويش الذي تولى إدارة المنطقة في زمن الانتداب الفرنسي. ومن أكثر رجالات هذه الأسرة شهرة هو الثائر الكبير “أدهم خنجر” الذي قاد حركة مقاومة شهيرة ضد الاحتلال الفرنسي لبلاد الشام، والتي تكبد خلالها الفرنسيون خسائر جسيمة، وذلك بالتنسيق مع الثائر العاملي الآخر “صادق حمزة”.
وقال: “تاريخ هذه البلدة يختصر تاريخا طويلا لجبل عامل والمناطق المحيطة به، فليس غريبا أيضا أن تحتشد مظاهر هذا التاريخ، العمرانية والأثرية والتراثية في حفلنا هذا، لتكون المروانية بلدة تعاقبت عليها الحضارات المتعددة، والتي تتمثل في هذا المهرجان عبر 13 حضارة وتاريخا”.
أضاف: “في وزارة الثقافة، نبذل الجهود للحفاظ على الثروة الأثرية في لبنان، ونشجع الجميع للتصريح عن المجموعات التراثية والأثرية الخاصة التي يرغب مالكوها بعرضها إغناء للحياة الثقافية في لبنان، وتقوم الوزارة بكل الخطوات المطلوبة تسهيلا لذلك. كما أننا نبذل الجهود لحماية الآثار الموجودة تحت المياه، وما شهدناه مقابل شاطئ صور منذ بضعة أيام دليل على غنى لبنان برا وبحرا بالآثار والتراث، من هنا نوجه التحية لنقيب الغواصين المحترفين في لبنان “محمد السارجي” الذي اكتشف بقايا سفن غارقة، وقطعا من الفخار تعود للحقبة اليونانية مقابل مدينة صور”.
وختم داوود: “في الختام، أهنئكم بهذا الجهد المبذول في أجنحة الحضارات، آملا أن تتضافر الجهود من أجل النهوض بالثقافة بشكل عام، وحماية الآثار اللبنانية بشكل خاص، والتي تحكي أمجاد الأجداد ومآثر الآباء. نؤكد إنحيازنا التام الى جانب أهلنا في الدفاع عن حقهم في العيش بكرامة ورفض أي محاولة للمس بلقمة عيشهم المغمسة بالعرق والدم والتعب، ورفض أي مس بمكتسبات موظفي القطاع العام أو فرض ضرائب جديدة تطال الطبقات الفقيرة والمتوسطة وذوي الدخل المحدود”.