وزارة الاتصالات سابقاً.. شركة خاصة للوزير

أعدّت الغرفة الرابعة في ديوان المحاسبة تقريراً خاصاً حول الفساد في قطاع الاتصالات سابقاً، أظهرَ أنّ الوزراء المتوالين على هذا القطاع لم يراعوا الأصول القانونية في الصرف ولم يحترموا الموازنات من العام 2010 إلى 2020. وقد زار وفد من الديوان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الأسبوع الماضي وسلّمه نسخة من هذا التقرير، فهل سيتحرّك القضاء؟

أشار التقرير إلى أنّ قطاع الاتصالات حقّق إيرادات بلغت 17 مليار دولار خلال 10 اعوام، فبات أكبر مصدر للمداخيل لإدخاله 11 مليار دولار إلى خزينة الدولة، وبالتالي فإنّ كلفة تشغيل الشبكة خلال هذه المدة بلغت 6 مليارات من الدولارات! فكيف يُمكن أن يكلِّف تشغيل الشبكة 32% من العائدات، على رغم مِن أنّ الشركتين لا تدفعان رسوم الترخيص والرسوم التي تعود إلى الهيئة المنظمة للاتصالات، ولو وجدت هذه الرسوم لهَيمنت الخسائر على هذا القطاع. كما أنّ المصاريف الاستثمارية كلّفت الدولة 1,4 مليار دولار لتصبح نسبة تكاليف تشغيل الشبكات 39% من مجموع الإنفاق الاستثماري المضخّم.

قرارات هوائية وسيطرة زبائنية

بعد قرار مجلس الوزراء نقل إدارة الشركتين إلى إدارة وزارة الاتصالات لم تُنشأ هيئة إشراف أو رقابة على أعمال الشركتين، كما أنّ مجلسي إدارتَيهما لم يبدِّلا أعضاءهما الذين تمّ اختيارهم عبر التحاصص، ليؤكّد الديوان أنّ إنشاء هيئة إشراف كان ليُخفّض نسبة الهدر. إنّما كانت المصاريف ترتفع بسبب غياب خطة تنظيمية لخفض الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي الذي لا يتناسب مع حجم القطاع.

فعلى رغم من ارتفاع عدد المشتركين من 3 إلى 4 ملايين مشترك، إلّا أنّ النفقات التشغيلية والرأسمالية ارتفعت بين 2010 و2018 بنسبة 128%، علماً أنّ متوسّط الدخل من المشتركين تجاوز النسب العالمية المشابهة للوضع اللبناني بـ3 أضعاف (29 دولاراً)، فاعتبر الديوان أنّه «لم يكن يُغطي بدل الخدمة بل أيضاً الإنفاق المتمادي غير المستند إلى خطط».

وبحسب الأرقام التي قدمتها الشركتان، يتبيّن أنّ المصاريف الاستثمارية بلغت في شركة «ألفا» 952 مليون دولار، وفي شركة «تاتش» 690 مليون دولار. في المقابل، بلغت المصاريف التشغيلية في «ألفا» ملياراً و167 مليون دولار، مقابل مليار و215 مليون دولار في «تاتش». أمّا من جهة التوظيف، فأصبحت الوزارة تقرر التوظيف والشركتان توافقان، فارتفع عدد الموظفين وكلفة الرواتب في «ألفا» بين عامي 2010 و2018 بنسبة 54% ومن 21 مليون دولار سنوياً إلى 54 مليوناً، وفي «تاتش 72,6%.

لم ينتهِ الهدر هنا، فعلى رغم من انعدام المنافسة بين الشركتين إلّا أنهما لم توفّرا الإعلانات والحملات التسويقية التي تقع مصاريفها على عاتق الوزارة، ما أتاح لكل وزير أو مسؤول في الشركة أن يدعم أي جهة أو فرد من دون أن يُسائله أحد. وفي غالب الاحيان، كان الوزير يُقرر دفع مبالغ أخرى غير ملحوظة استناداً إلى اعتبارات مشبوهة، ليبلغ عدد المساهمات الرعائية في «تاتش» بين 2016 و2019 نحو 100 مساهمة بقيمة 3,9 ملايين دولار، بينما بلغ عدد المساهمات التي أطلقها الوزير بمبادرة منه 199 مساهمة بقيمة 11,7 مليوناً.

مجلس إشراف وهمي

من جهة أخرى، تم إنشاء «مجلس إشراف المالك» للإشراف على قطاع الهاتف الخلوي ومراقبته قانونياً وتجارياً ومالياً. لكنّ صلاحياته كانت وهمية، لأنّ القرار ظلّ في يد الوزير لجهة رقابة الهيئة من دون أن يَعرض عليها الملفات. وقد أُعطي وزراء الاتصالات المتعاقبون صلاحیة تعیین هذا المجلس وفِرَق العمل المعاوِنة له وتحدید صلاحیاتهم من دون الخضوع لرقابة مجلس الخدمة المدنیة أو وزارة المال.

وحين طلب الديوان من الوزارة قرارات تعيين المجلس وفرق العمل المعاونة له مشفوعاً بالرواتب التي تقاضاها كل شخص، لم ترسل الوزارة سوى جداول الرواتب للفترة بين 2017 و2020، لأنّ هذا «كل ما وُجِد لديها» وليس لديها قاعدة بيانات رسمية تتعلق بالمجلس منذ إنشائه. لكن في الواقع، فاقَ عدد العاملين في «فريق الوزير»، من مستشارين وسكرتيرات يحدد رواتبهم هو ويتقاضونها من حساب المجلس، عدد موظفي «مجلس إشراف المالك» برمّته، وحتى من دون أن يلتزموا دوام عمل في الوزارة أو معرفة أحد بهم.

ونَصّ عقد الإدارة الموقّع مع مشغّلي الهاتف على أن تُموِّل الشركات نشاطات مجلس إشراف المالكين بقيمة تُقتَطع شهرياً من الإيرادات المحصلة لا تتجاوز 0,1% منها. الّا أنّ الوزراء وضعوا ايديهم على هذه الأموال في غياب الرقابة واستعملوها لتغطية نفقات السفر والإقامة في الفنادق، واستئجار طائرات خاصة لسفرهم ومصاريف متفرقة لمكاتبهم.

ففي عهد الوزير محمد شقير، كان المبلغ المُحدَّد للمجلس في «ألفا» 615 ألف دولار، لكنّ المجلس صرفَ 765 ألف دولار. وبلغت قيمة التعويضات المدفوعة بين 2012 و2020 نحو 6,3 ملايين دولار. وفي «تاتش»، وصلت هذه المبالغ إلى 8,3 ملايين دولار. كما تبيّن وجود مبالغ بقيمة 14 مليون دولار دُفعت لتغطية مصاريف مجلس الإشراف، ولكنها ذهبت للمصالح الشخصية.

مصدرالجمهورية - وداد فرنسيس
المادة السابقةإلى اللبنانيين… خبرٌ هامّ بشأن البطاقة التمويلية
المقالة القادمةالأفراد والشركات والاقتصادات والبلاد محكومة بإعادة الهيكلية الداخلية للإستمرار