حتّى اللحظة، ما زال الغموض السمة الأساسيّة التي تحكم عمل المصرف المركزي وطريقة نشره للمعلومات الماليّة، بما فيها تلك التي تعكس أكثر المؤشرّات الماليّة حساسيّة، المتصلة بتداعيات الانهيار المالي الذي يضرب البلاد.
خلال الأسبوع الماضي، نشر المصرف المركزي ميزانيّته النصف الشهريّة، التي تعكس وضعيّة المصرف الماليّة لغاية نهاية شهر نيسان الماضي، مقارنةً بمنتصف شهر نيسان. وهو ما يمكن استخدامه لتملّس التغيّرات الأساسيّة في أرقام المصرف.
بند “الموجودات الأخرى”
الإشكاليّة الأساسيّة في هذه الأرقام، كمنت في وجود تحوّلات غير مفهومة في الميزانيّة، بما فيها تلك التي ترتبط بكتلة من الخسائر التي ظهرت فجأة على نحو غير مفهوم، وهو ما يعيدنا إلى أزمة الشفافيّة في طريقة عرض مصرف لبنان لأرقامه.
فخلال النصف الثاني من شهر نيسان، تبيّن أن بند “الموجودات الأخرى” في ميزانيّات المصرف المركزي، تضخّم بشكل مفاجئ بنحو 1.92 مليار دولار دفعة واحدة. مع الإشارة إلى أنّ هذا البند بالتحديد يمثّل موجودات وهميّة يعمل مصرف لبنان على تسجيلها ومراكمتها داخل الميزانيّة، لتفادي تسجيل الخسائر المحققة التي لا يريد الحاكم تسجيلها أو الاعتراف بها في الوقت الراهن. أي بمعنى آخر، تمثّل الموجودات الأخرى خسائر متراكمة مخفيّة في ميزانيّة المصرف المركزي، وهي تحديدًا كتلة الخسائر التي يتم الإشارة إليها عند الحديث عن “فجوة الميزانيّات” في مصرف لبنان.
على أي حال، وبعد كتلة الخسائر التي هبطت بشكل مفاجئ على ميزانيّات مصرف لبنان، بات حجم الخسائر الإجماليّة التي تراكمت خلال العام الراهن نحو 3.6 مليار دولار، خلال فترة لم تتجاوز الأربعة أشهر.
كتلة السندات
في خلاصة الأمر، باتت قيمة حجم بند الموجودات الأخرى في نهاية شهر نيسان الماضي تتجاوز حدود 65.1 مليار دولار، من أصل موجودات إجمالي يملكها مصرف لبنان بقيمة 166.62 مليار دولار، ما يعني أن حجم الخسائر المتراكمة في ميزانيّة المركزي بات يتخطّى حدود 39% من إجمالي حجم الميزانيّة العامّة للمصرف. وفي كل الحالات، تتقارب هذه الأرقام مع أرقام خطة التعافي المالي التي وضعها الوفد المفاوض مع صندوق النقد، بموافقة حاكم مصرف لبنان، والتي أشارت إلى أن حجم الحاجات التمويليّة لمعالجة خسائر القطاع المصرفي يتخطى حدود 73 مليار دولار، منها نحو 60 مليار دولار من الخسائر التي تراكمت داخل ميزانيّات مصرف لبنان نفسه. مع العلم أن المصرف يعاني أيضًا من امتلاكه كتلة من سندات الدين السيادي بالليرة اللبنانيّة، والتي تقارب قيمتها 25% من إجمالي حجم الميزانيّة، وهي إشكاليّة يُفترض أن يتم التعامل معها لاحقًا في مرحلة إعادة هيكلة الدين العام.
عمليات محاسبية
لم تتضح حتّى اللحظة أسباب تراكم الخسائر في بند الموجودات الأخرى على هذا النحو منذ بداية العام، خصوصًا أن حجم الارتفاع في هذا البند لا يتوازى مع حجم إنفاق مصرف لبنان من احتياطاته لتمويل عمليّات المنصّة، ولا مع حجم الخسائر التي تحمّلها المصرف لتمويل استيراد القمح وبعض أدوية الأمراض المزمنة (آخر السلع التي كانت مدعومة خلال الأشهر الماضية، قبل أن يتوقّف المصرف عن تمويل استيراد القمح). ولهذا السبب، ثمّة مصادر مصرفيّة ترجّح أن تكون هذه التطورات ناتجة عن عمليّات محاسبيّة سريعة، لجأ مصرف لبنان للقيام بها للتعامل مع أكلاف إجراءات استثنائيّة قام بها المصرف مع المصارف التجاريّة.
ميزانيّات نهاية شهر نيسان، عكست أيضًا ضمور احتياطات المصرف المركزي بنحو 94 مليون دولار فقط خلال النصف الثاني من الشهر، ما يعكس تقشّف من معدلات انفاق المصرف المركزي من الاحتياطات، مقارنة بجميع الأشهر السابقة. وبحسب الميزانيّات نفسها، بات حجم السيولة الجاهزة للاستعمال لا يتخطى حدود ال11.25 مليار دولار، بما يشمل أموال حقوق السحب الخاصّة (1.135 مليار دولار)، التي يفترض أن يكون استخدامها مربوط بقرارات الحكومة اللبنانيّة، فيما تمثّل سائر الاحتياطات ما تبقى من احتياطات إلزاميّة أودعتها المصارف لدى المصرف المركزي.
تداولات المنصة
على صعيد حركة منصّة مصرف لبنان المخصصة للتداول بالعملات الأجنبيّة، اقتصرت هذه الحركة على نحو 121.5 مليون دولار خلال الأسبوع الماضي، بعد أن غطّت العطلة الرسميّة الأيام الثلاثة الأولى من الأسبوع، لتقتصر التداولات على يومين فقط. وبذلك، تعذّر قياس نشاط حركة المنصّة على مدى أسبوع كامل، لمقارنته بنشاط الأسابيع السابقة. أمّا سعر الصرف المعتمد خلال اليومين المتبقين، فظل ثابتًا عند مستوى 22,500 ليرة ليرة للدولار الواحد، وهو ما طبع الهامش الكبير بين سعر المنصّة الرسمي وسعر السوق الموازية، الذي يتجاوز اليوم حدود ال26,600 ليرة للدولار.