ما أن أقفلت صناديق الاقتراع حتى فُتحت “جعالات” البنزين والغاز والخبز فأغرقت المواطنين في دوامة طوابير متجددة أمام المحطات والأفران بالتوازي مع الارتفاع الدراماتيكي في سعر صرف الدولار في السوق السوداء وإيقاف بعض المصارف بيع الدولارات وفق تسعيرة “صيرفة”، ليعود مشهد الأزمات الحياتية إلى واجهة الأحداث منذراً بفترة عصيبة تنتظر اللبنانيين لن يكون تجاوزها بالأمر اليسير ما لم يسارع أهل السلطة إلى مغادرة مربع المناورة والمكابرة، والمبادرة إلى الاتعاظ من “الدرس الانتخابي” وخلاصاته التي عكست حجم النقمة الشعبية المتعاظمة على الطبقة الحاكمة.
أما في جديد المواقف الدولية بعد إنجاز الانتخابات التشريعية، فحضّت باريس أمس “جميع المسؤولين اللبنانيين على تعيين رئيس مجلس وزراء من دون تأخير وإلى تشكيل حكومة جديدة لكي تتخذ التدابير الضرورية للنهوض بالبلاد ولكي تقدّم حلولاً يُعتدُّ بها تلبي تطلعات السكان، ولا سيّما بالاستناد إلى الاتفاق الإطار الموقّع مع صندوق النقد الدولي”… غير أنّ الذهنية التي لا تزال طاغية على أداء أهل السلطة لم تحمل أياً من التباشير الإصلاحية أو التغييرية التي تواكب ضرورات المرحلة وأولوياتها، خصوصاً في ظل ما تكشّف من معلومات عن أنّ الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء غداً في قصر بعبدا عشية دخول الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال قد تشهد إقرار ما سمي بـ”خطة التعافي لقطاع المياه”، وهي خطة وصفتها مصادر مواكبة للملف بأنها أشبه بـ”سلعاتا مائية” ليست في واقع الأمر سوى “استنساخ لاستراتيجية قطاع المياه التي تسببت بتدمير البيئة والقطاع وهدر المليارات على مشاريع السدود الفاشلة”.
وأوضحت المصادر أنّ “الخطة تتضمن تمويلاً بقيمة نحو 9 مليارات دولار ستصرف على استكمال مشاريع الهدر، علماً أنّ ثلث هذا المبلغ سيخصص للدراسات، كتنفيعات للمقرّبين، عدا عن أنّ اقرار الخطة سيعني حجز أي تمويل مستقبلي لمشاريع وضعها فريق وزارة الطاقة على قياس سياساته، وهي تنطوي على مخالفات لقانون المياه بشكل يخالف مبدأ وضع المخطط التوجيهي العام للمياه ومخططات الأحواض، ولا يراعي الحاجات المائية والبيئية لسائر القطاعات”، محذرةً من أنّ “خطورة هذه الخطة تكمن في فوضى الأحواض وتعزيز التلوث، فضلاً عن مفاقمة الهدر وتحويل المياه الى سلعة لا تراعي حاجات القطاع الزراعي إنما تحوّل الصرف الصحي إلى مجرد هندسات مجارير للمشاريع”.