وافق مجلس الوزراء، في جلسته ما قبل الأخيرة، على مقترح يعطي للمرة الأولى تراخيص إنتاج كهرباء من خارج مؤسسة كهرباء لبنان لوضعها على الشبكة العامة وتوزيعها بالاعتماد على الطاقة الشمسية. 11 شركة فازت بالمناقصة وبدأت التحضير لإطلاق العمل، فيما تبرز مبادرات تقوم بها بعض البلديات قد تسمح بتعميم فكرة لامركزية إنتاج الكهرباء
أعلنت الحكومة، في الجلسة التي عقدتها في 12 أيار الفائت، عن سماحها بإنشاء محطات طاقة شمسية عبر القطاع الخاص، بقدرة كليّة بين 120 و180 ميغاواط (تساوي مجموعة توليد واحدة في معمل دير عمار) في كلّ المحافظات اللبنانية، أي بمعدّل 30 إلى 40 ميغاواط في كلّ محافظة (ثلاثة مشاريع في كلّ محافظة).
يهدف هذا القرار إلى “توسيع الطاقة المتجدّدة ومن ضمنها مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتلبية 30% من الكهرباء بحلول عام 2030”. وقد رست المناقصة على إحدى عشرة شركة، موزّعة على مختلف المناطق اللبنانية. هذه الشركات ليست كيانات لبنانية خالصة، بل تشكّلت بحسب دفتر الشروط من اتحادات مع شركات عالمية تعمل في مجال الطاقة المتجدّدة، على أنّ الشركات اللبنانية المشاركة لا تنتمي إلى الفئة التي نبتت في العامين الأخيرين من مؤسسات صغيرة تعمل على تركيب أنظمة طاقة شمسية منزلية، بل لديها، كما يقول مهندس في إحدى الشركات “تاريخ ومشاريع منفّذة في هذا المجال”.
التسعير بالليرة وبالدولار
ستُراوح تكلفة إنتاج الكيلوواط ساعة من الطاقة بين 5.7 و 6.27 سنتات، وهو مبلغ زهيد مقارنةً مع تكلفة إنتاج الطاقة عبر مؤسسة كهرباء لبنان، والتي تبلغ 23 سنتاً. لكنّ المواطن لن يستفيد مباشرةً من الأسعار المخفّضة، فالكهرباء في منزله ستكون مسعّرة من الدولة على سعر أعلى من سعر باب المعمل، أي من سعر مبيع الشركة للدولة. أما بالنسبة إلى الدولة، فهي ستدفع سعر كل كيلوواط ساعة للشركة بنسبة 30% بالعملة الوطنية بناءً على سعر منصة صيرفة الخاصة بمصرف لبنان، و70% بالعملة الأجنبية إذ “لا يمكن للشركات أن تتحمّل استثمارات خاسرة إذا كان الدفع بالليرة اللبنانية من قبل الدولة” حسب مدير إحدى الشركات الذي أكد بأنه لم يكن ليشارك أبداً “لو سُعّر المنتج بالليرة خصوصاً أنّ كلّ ما هو مستعمل في الإنتاج مستورد”، مذكّراً بأنّ “هذا المشروع انطلق في عام 2017” أي قبل الأزمة المالية.
تقنياً ومالياً
قرار الحكومة دفع بالشركات الفائزة إلى البدء في التحضير لإطلاق العمل. تقول مديرة شركة ضو للطاقة ساندرا ضو، الفائزة بمناقصة إقامة مزرعة طاقة شمسية في منطقة التويتي البقاعية، إنّ “الرخص صدرت ويبقى الآن توقيع العقد مع مؤسسة كهرباء لبنان والاتفاق على طريقة الدفع”. الخطوة الأولى التي قامت بها ضو هي البحث عن أرض تنشئ عليها مشروعها وهي حالياً “في صدد استئجار قطعة أرض تبلغ مساحتها 250 ألف متر مربع، وقد بلغت الخطوات الأخيرة لتوقيع عقد إيجار مع صاحب الأرض”. وتلفت إلى أن البلديات، ولأسباب قانونية تتعلّق بالتصرّف بالمشاعات، لم تستطع تقديم الأراضي. كما تشير إلى ضرورة أن يلحظ اختيار الأرض أموراً تقنية منها ما يتعلّق مثلاً بـ”قرب مكان إقامة محطة إنتاج الكهرباء الشمسية من نقاط نقل وتحويل يمكن لمؤسسة كهرباء لبنان أن تُدخل عبرها هذه الطاقة إلى الشبكة العامة”. وعليه ستقوم الشركة بتركيب محطتها الشمسية بطاقة تصل إلى 10 ميغاواط ساعة، تسلّمها إلى مؤسسة كهرباء لبنان عبر نقاط الوصل، من دون أن يعني ذلك أنّ المناطق المحيطة هي المستهدفة بالتغذية كون الشركة معنية بتوليد الكهرباء لا غير. كما أنّ الإنتاج سيكون نهارياً فقط كونه مرتبطاً بطلوع الشمس، ولكن الظروف الطبيعية لناحية الأيام الماطرة أو الملبّدة بالغيوم لن تُخرج المحطة نهائياً من الخدمة، بل تحدّ من طاقتها. وهنا تضيف ضو إنّ “لبنان من المناطق المثالية لإنتاج الكهرباء عبر الطاقة الشمسية كونه يتمتع بحوالي 1500 ساعة (شمس) سنوياً بفعالية عالية”. يبقى سؤال التمويل، الذي تجيب عنه ضو بالقول: “تصل كلفة الحقل إلى 15 مليون دولار، ستقوم الشركة بتغطيتها عبر استثمارات أجنبية مهتمة بمجال الطاقة المتجدّدة في لبنان” وإن أبدت تخوفها من “نظرة سلبية باتت تكون تجاه الوضع العام في البلد، من دون أن يعني ذلك خروجهم من المشروع”.
خطوة للتعميم؟
انطلاقاً من إمكانية تعميم فكرة لا مركزية إنتاج الكهرباء، استطلعت “الأخبار” تجربة بلدية قبريخا الجنوبية، التي وضعت على أراضيها منذ أكثر من عشر سنوات محطة لإنتاج الكهرباء عبر الطاقة الشمسية بقدرة 250 كيلوواط، واستطاعت عبرها تأمين كهرباء لسكان القرية بعد وصلها بشبكة الكهرباء الخاصة بمولّدات البلدية، وتأمين تشغيل مضخّة المياه، بحسب رئيس البلدية عبد الأمير فحص.
الآن، تدرس البلدية إمكانية الاستفادة بشكل أكبر من الطاقة الشمسية، كون أهالي البلدية يقومون بتركيب الأنظمة في بيوتهم. ولتحقيق هذا الهدف، طلبت البلدية من مهندس تقديم دراسة حول إمكانية ربط إنتاج الكهرباء الصادر عن هذه اللوحات بعضه ببعض، وتدويره على كلّ القرية ومن بعدها تُجرى مقاصّة بينهم وبين مولّد القرية الذي سيعمل ليلاً. لكنّ مهندس الكهرباء مهدي ياسين يستبعد إمكان تنفيذ هذا المشروع لأن الأنظمة المنزلية التي تُركّب هي من فئة off grid (خارج الشبكة)، أي أنّها “أنظمة معزولة في الصحراء” وليست من فئة on grid (على الشبكة) القابلة للوصل على شبكة واحدة، وبالتالي لا يمكن ربط إنتاج الكهرباء الصادر عن هذه اللوحات بعضه ببعض. ويرى ياسين أن الفوضى القائمة حالياً في هذا القطاع منعت التفكير بهذا الأمر منذ البداية، معيداً الأمر إلى غياب التخطيط، كما يلفت إلى الفوضى المتعلقة بنوعية المواد والأسعار، فـ “أحد أجهزة التحويل يُباع في السّوق اللبناني بمبلغ يصل إلى 2400 دولار بينما تكلفته لا تتجاوز الـ 1000 دولار!”.
في قرية رميش الجنوبية تجربة مختلفة، حيث قام اختصاصيو الطاقة فيها بتوجيه الراغبين بالاستفادة من أنظمة الطاقة الشمسية إلى تركيب محوّلات الكهرباء من فئة on grid، ما أتاح ربط المنازل بعضها ببعض على شبكة مولّد الكهرباء الخاص بالبلدة، ومع عدّادات ذكية. أتاح هذا الأمر للأهالي بيع الطاقة وتقاضي مبالغ شهرية بدل أن يدفعوا، ولا سيّما مع بداية أشهر الصيف. ويوضح رئيس البلدية ميلاد العلم العملية بالقول: “يشتري صاحب المولّد الكيلوواط ساعة بخمسة آلاف ليرة ويبيعه بأحد عشر ألفاً، ما يُدخل إلى المنازل المزوّدة بالطاقة الشمسية مبالغ تصل إلى المليوني ليرة شهرياً”.
كما تقوم البلدية، بالتعاون مع المغتربين من أهل القرية، بإنشاء محطة شمسية بقدرة تصل إلى خمسمئة كيلوواط لتشغيل مضخّات المياه بسبب عدم قدرتها على شراء المازوت اللازم لضخّ المياه، وفي حال تأمّن التمويل اللازم ستقوم بتجهيزها ببطاريات لإضاءة الشوارع ليلاً.
الضاحية خارج التغطية
على مستوى الضاحية الجنوبية والمدن المكتظّة، “يلي سبق شم الحبق” يقول مسؤول ملف الطاقة في اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية المهندس علي سليم، مؤكداً أنه لا يمكن إقامة محطات مشابهة على أراضي الضاحية بسبب عدم وجود مساحات كافية، بالإضافة إلى أنّ سطوح الأبنية لن تكفي لو أراد كلّ السكان تركيب لوحاتهم، ولا سيّما في الأبنية المكوّنة من طبقات تزيد عن أربع بسبب عدد الشقق الكبير. ويؤكّد رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية محمد ضرغام أنّه لم يستطع تأمين سطح ليتمكن من إضاءة إشارات السّير بشكل دائم.
تنقسم أنظمة الطاقة الشمسية إلى قسمين: القسم الأول، عبارة عن طاقة “على الشبكة on grid”، تحتاج إلى التيار الرسمي كي تعمل، وهي تقوم على فكرة ربط الطاقة الكهربائية المنتجة عبر الألواح الشمسية في المنزل بالشبكة العامة، عبر محوّل كهربائي يحوّل خلال ساعات النهار فائض الكهرباء إلى الشبكة مروراً بعدّاد ذكي يحسم قيمة هذه الطاقة من الفاتورة الشهرية، وهو نظام مثالي للتخفيف من قيمة الفاتورة الشهرية ويمكن تطبيقه في القرى اللبنانية في حال ذهبنا إلى إنتاج لامركزي للكهرباء، فتقوم المنازل خلال النهار بالاستفادة من أشعة الشمس لتوليد الكهرباء، وفي ساعات الليل تعمل المولّدات.
القسم الثاني “خارج الشبكة off grid”، لا يحتاج إلى التيار الرسمي كي يعمل، بل يمكنه العمل وحده وكأنّه خارج كل تغطية كهربائية، لكن من دون إمكانية الاستفادة من فائض الطاقة المنتجة، كما أنّ تكلفته عالية بسبب ضرورة وجود بطاريات تدعمه في ساعات الليل، ولكنّه مثالي في المناطق التي تنقطع فيها الكهرباء بشكل مستمرّ كحالنا في لبنان.