انطلق العمل بقرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، المتعلّق بتلبية طلبات الأفراد والمؤسسات لشراء الدولار وفق سعر منصة صيرفة، ابتداءً من الاثنين 30 أيار. فشهدت المصارف ازدحاماً منذ ساعات الصباح، وتنافساً بين العملاء لكسب الوقت وتسريع المعاملات. على أن هذه العملية تخلّلتها الشوائب والثغرات، وأظهَرَت بوضوح أن المصارف هي المستفيد الأبرز إلى جانب التجّار وشركات تحويل الأموال، فيما الأفراد كومبارس ضروري لإكمال المشهد وإعطائه صورة شعبوية.
عمولات واستنسابية
اكتفى الحاكم في قراره بالطلب من المصارف تلبية الطلبات، والإعلان أن “العرض مفتوح ومتاح يومياً”. وألزَمَ الحاكم المصارف بتمديد دوام عملها طيلة ثلاثة أيام، الاثنين والثلاثاء والأربعاء، لغاية الساعة السادسة مساءً. لكنّه لم يحدّد مهلة نهاية “العرض”، ما يجعله قابلاً للتمديد شهرياً، على غرار التعميم رقم 161 الذي انطلق العمل به في الأصل، لمدة 15 يوماً.
لم يذكر سلامة في قراره أي قيود، ومع ذلك، تفاوتت إجراءات المصارف واستنسابيّتها، وتمحورت حول ثلاثة، أبرزها فرض عمولات وحجز نسبة من الأموال داخل المصارف، بالإضافة إلى عرض شراء الدولار وفق سعر السوق وطلب مستندات متعدّدة.
اشتكى الكثير من طالبي الحصول على الدولار من استنسابية قبول الطلبات ووجود مستندات غير مبرَّرة، منها إفادة بمصدر الأموال المراد تحويلها، إلاّ أن بعض المصارف برَّرَ هذه الخطوة بالحرص على عدم تشريع تبييض الأموال، وتفادي السقوط في اتهامات بالغنى عنها، خصوصاً في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها القطاع المصرفي.
بعد تقديم الطلبات بمستنداتها، يواجه أصحاب الطلبات قرار إلزامية إبقاء 20 بالمئة من المبلغ المطلوب تحويله بالليرة، داخل حساب مصرفي، يُصرَف حصراً عبر البطاقة المصرفية. وبعد التحويل إلى الدولار، يقتطع المصرف عمولة بنسبة 2.5 بالمئة على المبلغ بالدولار.
إجراء آخر سُجِّلَ، وهو عرض بعض المصارف على زبائنها شراء الدولارات بسعر السوق، أي بنحو 27 ألف ليرة.
امتعاض واضح
تختلف الإجراءات والعمولات من مصرف لآخر، وتتفاوت نسبة الاقتطاع والحجز صعوداً أو هبوطاً، لكنّها لا تحدّ من معدّل الامتعاض الذي أبداه الزبائن، مؤكّدين أن هذا القرار “للكبار وليس للصغار”، والمقصود هو المصارف والتجّار وليس الأفراد.
كما أن غياب الرقابة للتأكّد من عدم الاستنسابية في القبول والرفض، زاد حدّة الامتعاض. فبعض الطلبات قَبِلَت فوراً وأخرى أُجّل البتّ بها. وليس للزبون الاعتراض، فقرار الحاكم يعطي المصارف مساحة للمناورة خلال 24 ساعة.
إلى ذلك، سجَّلَ الزبائن العمولات، في خانة “استكمال نهج السطو على أموال الناس”. فالعمولات على الدولار مرتفعة جداً، وحجز مبلغ يستعمل عبر البطاقة، يعني حرمان صاحب الأموال من قيمتها الفعلية وتقييد حرية التصرّف بها، لأن الكثير من المحال التجارية ومحطات المحروقات، لا تقبل البطاقات أو تحدّد نسباً ضئيلة للدفع عبر البطاقة والباقي نقداً.
وانقسمت الآراء حول عرض المصارف شراء الدولار بسعر السوق، بين مؤيّدٍ يعتبر أن مكان الصرف غير مهم طالما أنه لا ينقص قيمة المبلغ، وبين من رأى فيه مدخلاً يتيح للمؤسسات، وعلى رأسها شركات تحويل الأموال، تحقيق أرباح إضافية، إذ أن استبدال الليرة بالدولار كان يتم في الأصل عبر سعر منصة صيرفة، فيما يمكنها اليوم بيع الدولار المستبدل، بسعر السوق وإعادة شراء الدولار بسعر المنصة. وبالتوازي، تستفيد المصارف من إبقاء الدولار في جعبتها، فيعود مصرف لبنان إلى سحب هذه الدولارات مجدداً. فيكون المركزي قد أمَّنَ الدولارات وخفَّضَ أسعارها ثم استعادها.
يؤتي القرار ثماره حتّى اللحظة، لكن التوقّعات تشير إلى أن ارتفاع سعر صرف الدولار سيبدأ خلال أسبوع لكن ببطء. فالأيام الثلاثة التي على المصارف الاجتهاد ضمنها لتمرير الطلبات، يقابلها أيام أخرى أقل جهداً ويتركّز نشاطها على التجّار وشركاتهم، أكثر من الأفراد. أما تمديد العمل بالقرار، فمرهون بيد سلامة الذي لم يحدد تاريخ صلاحية، وبالتالي سينظر إلى حجم العملية ونتائجها ليقرّر الخطوة الثانية.