تُراوح خطة الكهرباء مكانها منذ العام 2010 عندما طرحها وزير الطاقة يومذاك جبران باسيل. ورغم انّ الوزراء المتعاقبين أعادوا تعويمها مراراً مع إدخال بعض التعديلات عليها وكان آخرها في الحكومة الحالية، الا انها لا تزال متوقفة بسبب بعض التفاصيل، منها معمل سلعاتا والهيئة الناظمة للكهرباء وغيرها. اليوم، وبعد أكثر من 10 سنوات على الخطة، هناك حلول كثيرة باتت تستعمل في العالم أكثر تطوراً وتقدماً وبكلفة أقل لإنتاج الكهرباء فهل يستفيد منها لبنان؟
أُرهقت خزينة الدولة على مدى سنوات بسد عجز الكهرباء والنتيجة صفر كهرباء بكلفة 40 مليار دولار. السبب الرئيسي لهذا العجز كان الابقاء على تسعيرة مدعومة للكهرباء معتمدة منذ العام 1994 على أساس سعر برميل نفط 15 دولاراً بحيث بلغ متوسط سعر الكيلواط ساعة المنتج من كهرباء لبنان 120 ليرة أو ما يعادل أقل من نصف سنت أميركيّ، رغم ان سعر البرميل متحرك وسجّل عبر السنين زيادات عدة تخطّت احياناً الـ 150 دولاراً.
أدّى المسؤولون خلال كل هذه الاعوام دور المدافعين عن حقوق المواطنين وقدرتهم الشرائية تحت معادلة لا زيادة في تعرفة الكهرباء قبل رفع الانتاجية حتى وصلنا في العام 2021 الى صفر كهرباء من الدولة بعدما غرقت المؤسسة بعجز كبير الى جانب عدم السماح لها بتحويل اموالها الى دولار لشراء الفيول، فبات الاتّكال الكلي على المولدات وأصحابها. وبات المواطن يدفع اليوم 12,568 ليرة لبنانيّة عن كلّ كيلواط ساعة مرغماً اي بفاتورة تزيد عن المليوني ليرة، بينما لا تزال فاتورة مؤسسة كهرباء تتراوح بين 30 و 150 الف ليرة. ورغم ذلك، لا حلول في الافق حتى اليوم، ولا بديل من النفط العراقي الذي يعتمد عليه كلياً لتأمين ساعتي تغذية في اليوم، خصوصاً انّ العقد مع العراق ينتهي في شهر ايلول المقبل.
في هذا الاطار، يؤكد الخبير النفطي عبود زهر لـ«الجمهورية» انّ «مشروعَي استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الاردن هما اسرع الحلول لتوريد 8 الى 10 ساعات من الكهرباء في المدى المنظور، خصوصاً انّ العقد مع العراق اقترب من نهايته، الا انه وكما بات معروفاً، هذه الحلول متوقّفة بسبب عدم منح البنك الدولي ومؤسسات التمويل الدولية موافقتهم على القرض المطلوب.
انطلاقاً من ذلك يقترح زهر حلولاً متقدمة يصلح السير بها لتأمين الكهرباء على المدى المتوسط بأسعار زهيدة وبمدة زمنية مقبولة.
وللمقاربة، ذكّر زهر انّ العرض الذي قدمته «سيمنس» لوزراة الطاقة تعرض فيه بيع الكهرباء بـ 5 سنتات من دون احتساب ثمن الغاز، ما من شأنه ان يرفع الكلفة الى نحو 8 او 9 سنتات.
أما اقتراحات الحلول التي يعرضها فتتلخص بالتالي:
اولاً: عوض إنشاء معمل جديد بقدرة 1000 ميغاوات، يقترح زهر مَدّ كابل كهرباء بحري من مصر الى لبنان يؤمّن استجرار 800 ميغاوات اي نحو مرة ونصف أكثر من قدرة معملي البداوي او الزهراني. ويأتي استجرار الكهرباء مباشرة من مصر الى لبنان ولا حاجة للمرور بسوريا ولا بالاردن أي لا حاجة للاعفاء من عقوبات «ماغنتسكي». وكشفَ انّ هذا الحل معتمد في عدد من البلدان منها مثلاً المانيا التي تستجرّ الكهرباء من النروج بواسطة كابل بحري، كذلك تعطي النروج بالوسيلة نفسها كهرباء الى بريطانيا وهي كناية عن إنتاج معمل كبير.
وأوضح زهر انّ كهرباء مصر تأتي من مصدرين، الاول: لدى مصر فائض هائل من الغاز اذ الى جانب اكتشافاتها الكثيرة لحقول الغاز فإنّ قبرص واسرائيل تمدّانها به وهي تستعمله لإنتاج الكهرباء، لذا يمكن للبنان شراء الكهرباء مباشرة من مصر بكلفة أقل من 10 سنتات للكيلواط، على انّ السير بهذا المشروع يُغنيه عن حاجته لبناء معامل جديدة.
أما المصدر الثاني للكهرباء من مصر فيمكن ان يكون من حقول الطاقة الشمسية بكلفة اقل بكثير من الغاز تقدّر بنحو 4.5 سنتات للكيلواط من ضمنها كلفة الكابل. واوضح ان مصر ايضا لديها فائض من الطاقة الشمسية الموضوعة في بعض الصحاري، لذا الافضل للبنان ان يَستجرّ الكهرباء من مصر التي تولّدها من الطاقة الشمسية لأنها الارخص. واوضح ان مَد الكابل البحري لا يحتاج الى أكثر من عام على ان تتولى شركة خاصة هذه المهمة بحيث ان لبنان يدفع فقط ثمن كل كيلواط كهرباء اي ثمن الاستهلاك.
ثانيا: إنشاء مزرعة لتوليد الكهرباء في لبنان اي solar farm في البقاع مثلا حيث تكون قدرة الانتاج اعلى او في البحر قرب معامل الذوق او الزهراني او البداوي، وهذا ما ورد في خطة الكهرباء على انه من الحلول المتوسطة المدى والتي من شأنها ان تؤمّن ما بين 16 الى 18 ساعة كهرباء. وقال: انّ هذا المشروع بات رائجا جدا في دول العالم خصوصاً في اوروبا، وهو كناية عن مَد ألواح شمسية على سطح البحر ويتم ايصال كابل الكهرباء مباشرة على معامل الكهرباء الموجودة قربها مُقدّراً كلفة الانتاج بنحو 4 سنتات للكيلوواط. ويتميز هذا المشروع بأنه يغني عن تملك الاراضي لإنتاج الطاقة، ويمكن تنفيذه في مدة اقصاها عام. وشدّد زهر على ان ثروة لبنان الشمسية أكبر بكثير من ثروتنا البترولية لأننا نتمتع بـ300 يوم من الشمس في العام، وأسِف لأنّ دعم الدولة لمؤسسة كهرباء لبنان طيلة السنوات الماضية حال دون إقدام اللبنانيين على انتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، لافتاً الى انّ ساعة شمس على الكرة الارضية توازي 6 اشهر توليد طاقة على الكرة الارضية باعتماد الغاز.
وختم: آن الاوان للخروج من الحلول التقليدية لإنتاج الكهرباء، والتي لا تزال تتّكِل في الانتاج على التنفيعات والمحاصصة.