كل الطرق تقود إلى إحكام المنظومة الخناق أكثر على رقاب المواطنين. حتى لقمة الخبز المغمّسة بـ”ذل” الطوابير قد لا تدخل بعد اليوم بطون الجياع بدون إذن “مافيوي”. فـ”القلة” تولّد في الحالات الطبيعية “النقار”، فكيف إذا كان المتصارع عليه هو رغيف، أصبح يمثل لنسبة كبيرة من المواطنين الفرق بين الحياة أو “الموت جوعاً”. وبحجة تدارك المشاكل “تبسط المراجع النافذة يدها على الملف، وتعمد إلى التوسّط مع الأفران المحسوبة عليها، للحصول على الخبز بكميات أكثر من محددة”، بحسب مصادر متابعة. فـ”تطل بذلك بطاقات “تسهيل الغذاء” الحزبية والمناطقية، وتتحول البطاقة التمويلية الرسمية إلى “أثر بعد عين”.
لا شيء يوحي بانفراجات في ملف الخبز في المستقبل القريب. على الصعيد الداخلي تتوالى الإقفالات، عن حق أو غير حق، في الأفران، فيما الطلب يشهد ارتفاعاً متزايداً. فنقابة المخابز والأفران أوضحت في بيان أنها “بحاجة إلى زيادة نسبة إنتاجها، لتتوافق مع حجم الطّلب المتزايد نتيجة وجود أكثر من 700 ألف سائح من جهة، ولزيادة الطّلب على الخبز العربي لارتفاع سعر الخبز الإفرنجي ومشتقاته، بعد رفع الدعم عن الطحين المخصص لصناعته من جهة ثانية”. في المقابل خفضت وزارة الاقتصاد كميات الطحين المدعوم لصناعة الخبز الابيض إلى 17 ألف طن شهرياً، من دون أن تجد حلاً مستداماً لاستيراد القمح بالكميات الكافية. في المقابل ما زال قرض البنك الدولي لدعم القمح بقيمة 150 مليون دولار معلقاً، ولم يلقَ بعد طريقه إلى التنفيذ لغاية اللحظة، رغم كثرة الوعود. أما على الصعيد العالمي فقد أثارت الانفجارات قبل يومين في مدينة أوديسا على البحر الاسود، بعد يوم واحد من توصل كييف وموسكو إلى اتفاق استئناف صادرات الحبوب الأوكرانية عبر موانئ البحر الأسود، المخاوف من تعطل الاتفاق من جديد أو تباطؤ تنفيذه. الامر الذي سيعقد الامور ويزيد الضغوط على الدول التي تعتمد على أوكرانيا لاستيراد القمح، ويؤدي إلى عودة الاسعار إلى الارتفاع.
أمام هذه الآفاق المسدودة داخلياً وخارجياً لا تنفك وزارة الاقتصاد “تبشّر” المواطنين بانه لا مفر من رفع الدعم عن الخبز، على أن لا يتجاوز سعر الربطة 1 دولار مع دعم مباشر لمن هم أكثر حاجة. بغض النظر عن قدرة الوزارة على المراقبة وضبط الاسعار بعد رفع الدعم كلياً، فان هذه العملية ستزيد من مآسي المواطنين. صحيح أن الارتفاعات في الاسعار “ما وقفت” على ربطة الخبز، وصحيح ايضاً أنها أدت إلى استفادة القلة المحتكرة والمهرِبة على حساب المواطنين، إلا أن رفع الدعم من دون بدائل سيكون كارثياً. و”البدائل ليست على الاطلاق بطاقات تموينية على غرار تلك الزائفة التي وعدت بها 500 ألف عائلة قبل رفع الدعم ولم تأتِ، ولا بالمساعدات الوهمية على الرواتب والاجور، إنما بتوحيد سعر الصرف وبدء تنفيذ الخطة مع صندوق النقد الدولي وإجراء التعديلات المطلوبة على الاجور”، بحسب المصادر. “عدا ذلك فان الدولار “التافه” بالنسبة للبعض، هو 50 في المئة من المدخول العائلي لنحو 70 في المئة من الشعب اللبناني.