عززت السعودية من مركزها في جاذبية بيئة الأعمال في المنطقة العربية بعد أن أظهرت مؤشرات حديثة أنها انفردت في جذب استثمارات مبادرة الحزام والطريق الصينية منذ بداية العام الجاري.
وكللت الحكومة جهودها الإصلاحية منذ 2016 حين أطلقت في شهر أكتوبر الماضي استراتيجية للاستثمار لجذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية وتعزيز دور القطاع الخاص ضمن خارطة طريق تمتد حتى نهاية العقد الحالي، بما ينسجم مع خطط تنويع الاقتصاد.
ويتكئ البلد الخليجي على خطة واعدة يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لضخ قرابة 7.2 تريليون دولار في أكبر اقتصادات المنطقة العربية حتى العام 2030 حتى يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من أكبر 15 اقتصادا على مستوى العالم.
وأظهرت دراسة بحثية أجراها مركز التمويل والتنمية الأخضر في شنغهاي أن السعودية كانت أكبر متلق للاستثمارات ضمن المبادرة الصينية خلال النصف الأول من هذا العام بقيمة بلغت 5.5 مليار دولار.
ومع أن البنك المركزي السعودي لم يصدر بيانات النصف الأول من هذا العام حول تدفق الاستثمارات الخارجية المباشرة، لكن بياناته التي نشرها الشهر الماضي تشير إلى أنها زادت في الربع الثاني بواقع 9.5 في المئة بمقارنة سنوية لتصل إلى قرابة ملياري دولار.
ويأتي المنحى الصعودي في ظل الجهود الحكومية الهادفة إلى تذليل العقبات أمام المستثمرين وزيادة عدد الشركات التي قررت فتح مقراتها في البلاد، إلى جانب الفرص المتاحة في ظل “رؤية 2030” بهدف تحويل السعودية إلى مركز إقليمي ودولي للأعمال.
وأشارت بيانات المركز الصيني التي نشرتها وكالة بلومبرغ الاثنين إلى أن العراق كان ثاني بلد يستقبل استثمارات صينية بقيمة بلغت 1.5 مليار دولار وكانت موجهة إلى قطاع الإنشاءات.
ونجحت الطاقة والنقل في أن يكونا محور تركيز مبادرة في البنية التحتية، حيث استحوذا على 73 في المئة من إجمالي الإنفاق في الفترة بين يناير ويونيو الماضيين. وذهب النصيب الأكبر من التمويل إلى منطقة الشرق الأوسط التي حصلت على ثلث الإجمالي.
وظلت روسيا ثاني أهم شريك للإنفاق في قطاع الطاقة بين عامي 2013 و2022 رغم عدم إضافة أموال جديدة من المبادرة. وجاءت في المرتبة الثانية بعد باكستان يليها العراق والسعودية.
ولكن اللافت أن إنفاق الصين المالي والاستثماري في دول مبادرة الحزام والطريق انخفض بشكل طفيف في النصف الأول من هذا العام مقارنة بالعام السابق مع عدم وجود استثمارات جديدة في روسيا ومصر وسريلانكا.
وقال مركز التمويل إن “إجمالي التمويل والاستثمار بلغ نحو 28.4 مليار دولار خلال هذه الفترة انخفاضا من نحو 29.6 مليار دولار في العام السابق، ليصل إجمالي الإنفاق التراكمي على الحزام والطريق إلى 932 مليار دولار خلال عقد”.
وقفز الاستثمار الصيني في القطاع التكنولوجي بواقع 300 في المئة، والقطاع الصحي بنحو 209 في المئة، لكن الأموال الموجهة إلى القطاعات اللوجستية والزراعية والمنتجات الاستهلاكية تراجعت.
وكان الرئيس شي جين بينغ قد طرح المبادرة في عام 2013 بهدف استخدام قوة الصين في التمويل وبناء البنية التحتية من أجل “بناء مجتمع واسع من المصالح المشتركة” في جميع أنحاء آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
ولكن المبادرة واجهت انتقادات بسبب عبء الديون الذي تفرضه على الدول وقضايا أخرى مثل التدهور البيئي. كما أعادت البعض من الدول التفاوض بشأن مشاريعها الاستثمارية مع الصين مما يسلط الضوء على مخاطر الديون.
وبدأ مشروع الحزام والطريق يفقد قوته في عام 2017، بعد أن عززت الصين ضوابط رأس المال لوقف التراجع في عملتها وواجه عدد متزايد من المشاريع الخارجية العديد من المشاكل.
وتبدو السعودية مهتمة بجذب الاستثمارات الصينية إلى سوقها بعدما وضعت أسسا تنافسية للصناعات المتقدمة والطاقة المتجددة والنقل والخدمات اللوجستية والسياحة والبنية التحتية الرقمية، والرعاية الصحية والتقنية الحيوية والتقنية الخضراء.
ودخلت الشراكة الاستراتيجية بين السعودية والصين منذ 2019 مرحلة متقدمة بعد توقيع حزمة من الاتفاقيات خلال زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى بكين، في وقت يسعى فيه البلدان إلى دمج “رؤية 2030” مع مبادرة طريق الحرير الصينية.
ووقع البلدان في ختام المنتدى المشترك حينها 35 اتفاقية تعاون اقتصادي مشتركة تقدر بأكثر من 28 مليار دولار. وشملت اتفاقيات التعاون إبرام عدد من الشراكات الاستراتيجية في صناعة التكرير والبتروكيماويات، إضافة إلى تطبيقات ومشاريع الطاقة المتجددة وتقنية المعلومات والبنية التحتية.
وبحسب ما ذكرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية في ذلك الوقت فقد جرى تسليم أربعة تراخيص لشركات صينية خلال المنتدى، لكن لم تذكر تفاصيل حولها.
ويقود صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي)، الذي يعمل على تنويع محفظته في شتى المجالات والقطاعات ويملك أصولا تتجاوز 600 مليار دولار، خطط التحول.
وعمل الصندوق على استغلال العديد من الفرص الواعدة في مشاريع مستقبلية، حيث استحوذ خلال السنوات الأربع الماضية على حصص في شركات للسيارات وأخرى تعمل في التكنولوجيا وغيرها.
ولدى الصندوق، الذي بدأ في نوفمبر الماضي بتوجيه بوصلته إلى السوق الصينية، طموحات إلى السيطرة على ما قيمته تريليونا دولار من الأصول، وأن يصبح قوة استثمارية عالمية.
ويتوقع الخبراء أن تدفع الاستراتيجية الحكومية بالاستثمار في البلد الخليجي النفطي إلى الأمام بوتيرة أعلى وخطى أسرع عبر تحسين بيئة الاستثمار، وزيادة جاذبيتها وتنافسيتها.
كما أنها ستعمل على تنفيذ تدابير تصحيحية جوهرية على مستوى الإطار التنظيمي والتشريعي وحصر وتطوير الفرص الاستثمارية وعرضها على المستثمرين.
وإلى جانب ذلك، ستوفر حوافز للمشاريع النوعية وجذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية، ودعم أعمال الشركات المحلية لتعزيز مكانتها الدولية وتمكينها من إيصال وترسيخ استثماراتها ومنتجاتها وخدماتها في الأسواق الإقليمية والعالمية، بكفاءة وتنافسية عالية.