على وقع أزمة اقتصادية صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، خسرت العملة المحلية في لبنان أكثر من تسعين في المئة من قيمتها أمام الدولار.
وتضاءلت قدرة المصرف المركزي على دعم استيراد سلع حيوية، بينها القمح والمحروقات والأدوية. ودفعت البرلمان اللبناني الثلاثاء إلى التصويت على اتفاقية قرض مقدم من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار أميركي لتنفيذ مشروع الاستجابة الطارئة لتأمين إمدادات القمح، في وقت تشهد فيه البلاد شحاً غير مسبوق في الخبز منذ أسابيع.
ويتهافت اللبنانيون يومياً على الأفران حيث ينتظرون في طوابير طويلة للحصول على أكياس الخبز التي تدعم الحكومة أسعارها. ولا تخلو ساعات الانتظار من إشكالات تتطلب أحياناً تدخلاً أمنياً.
وتقنّن الأفران الكميات التي توزعها، وسط تبادل الاتهامات بين وزارة الاقتصاد وأصحاب الأفران حيال المسؤولية عن الأزمة التي تأتي في خضم انهيار اقتصادي غير مسبوق مستمر منذ أكثر من عامين.
وأقرّ البرلمان خلال جلسة تشريعية عقدها في مقره في وسط بيروت اتفاقية القرض المقدّم من البنك الدولي، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية.
ويتهم أصحاب المطاحن السلطات المعنية بعدم توفير الكميات اللازمة من الطحين الذي تدعم الحكومة سعره، نتيجة تأخر مصرف لبنان في فتح الاعتمادات المالية وصعوبة الاستيراد، الأمر الذي تنفيه وزارة الاقتصاد. واتهم وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام مراراً بعض الأفران بتخزين الطحين المدعوم أو استخدامه في صناعة منتجات غير مدعومة كالحلويات وسواها.
ورفعت وزارة الاقتصاد مراراً خلال العامين الماضيين أسعار أكياس الخبز العربي الذي يرافق وجبات اللبنانيين. وفاقم الغزو الروسي لأوكرانيا منذ فبراير الوضع مع صعوبة تصدير القمح.
وتعرضت قدرة لبنان على تخزين القمح لضربة قاسية بعدما تصدع قسم من إهراءات مرفأ بيروت جراء الانفجار المروع قبل نحو عامين. وتحذر السلطات منذ أيام من احتمال انهيار أجزاء منها.
ويشهد لبنان الذي يستورد بين 600 و650 ألف طن من القمح سنوياً، ثمانين في المئة منها من أوكرانيا، حالة من الفوضى والظروف الأمنية والاجتماعية المتدهورة دفعت رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي إلى التشديد على أهمية تنظيم وصول القمح والطحين إلى المطاحن والأفران.
وجاء تصريح ميقاتي خلال مشاركته في الجلسة العامة للمجلس النيابي الثلاثاء، بحسب بيان صادر عن موقعه الرسمي.
وأشار ميقاتي إلى أن “هذا الأمر سيكون مرتبطاً بآلية واضحة تُشرف عليها لجنة مختصة”، وقال “معظم ربطات الخبز التي يجري إنتاجها تذهب إلى غير اللبنانيين والجميع يعلم بذلك”.
وأضاف “كنت قد أصدرت قراراً يقضي بتشكيل لجنة في وزارة الداخلية مهمتها وضع آلية محددة للتوزيع العادل للقمح والطحين على كل المطاحن، كما أنها تقوم بتنظيم عمليات وصول القمح والتوزيع الذي يجب أن يكون من خلال قسائم وآليات واضحة. من مهمة تلك اللجنة أيضاً مراقبة إنتاج الأفران للخبز وقد وضعنا كاميرات هناك”.
وأعلن الرئيس ميقاتي “موقفاً من بند طلب الموافقة على اتفاقية القرض المقدم من البنك الدولي لتنفيذ مشروع الاستجابة الطارئة لتأمين إمدادات القمح”. وأشار إلى أنه “في حال كان هناك طلبٌ من الحكومة لرفع الدعم عن كل شيء، فليتم إصدار توصية بذلك من مجلس النواب”.
وتابع ميقاتي “نحنُ نأخذ بعين الاعتبار إرادة المجلس إذا كنتم تريدون رفع الدعم. لهذا أصدروا توصية من المجلس النيابي بهذا الشأن”.
وكان مجلس النواب قد أقر في جلسته قبل ظهر الثلاثاء تعديل قانون طال انتظاره يتعلق بالسرية المصرفية. الهدف منه مكافحة الفساد الذي أصبح ظاهرة عامة في لبنان وذلك في أول إنجاز لقائمة من الإصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي.
ووقع لبنان وصندوق النقد الدولي اتفاقا على مستوى الخبراء في أبريل يتعلق بتمويل بقيمة ثلاثة مليارات دولار لتخفيف الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، والتي وصفها البنك الدولي بأنها من بين أسوأ ثلاثة انهيارات مالية منذ الثورة الصناعية.
لكن حزمة التمويل مشروطة بمتطلبات مسبقة تشمل إصلاحات مالية بما في ذلك استراتيجية إعادة الهيكلة المصرفية وضوابط رأس المال وميزانية عام 2022 وقانون السرية المصرفية المعدل.
ولا يرفع قانون السرية المصرفية، الذي تمت تلاوته بصوت عال في أول جلسة عامة للبرلمان منذ الانتخابات التي جرت في مايو، السرية المصرفية إجمالا.
ويسمح لبعض الهيئات الحكومية برفع السرية على وجه التحديد في قضايا التحقيقات الجنائية، بما في ذلك غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وكان مشروع القانون الأصلي سيسمح برفع السرية المصرفية للتحقيق في “جميع الجرائم المالية”، لكن البرلمان صوّت على حذف هذه العبارة وبالتالي الحد من نطاق القانون.
وقال نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي، مهندس خارطة طريق التعافي المالي في لبنان، إنه “لا يوافق” على نسخة القانون التي تم تمريرها الثلاثاء.
وحاول الشامي التحدث عدة مرات خلال الجلسة لكن أصوات النواب العالية لم تسمح له بالحديث. وقال الشامي إنه سيرسل القانون إلى صندوق النقد الدولي لتأكيد ما إذا كان يتماشى مع توقعاتهم.
ودعت الاتفاقية المبرمة مع صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء إلى قانون جديد “يتماشى مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد وإزالة العوائق أمام إعادة هيكلة القطاع المصرفي الفعال والإشراف عليه وإدارة الضرائب، فضلا عن الكشف عن الجرائم المالية والتحقيق فيها واسترداد الأصول”.