لم تصل الاجتماعات التي عقدتها نقابة الطيارين العاملين في شركة «طيران الشرق الأوسط» مع إدارة الشركة، على مدى 3 سنوات، إلى اتفاق على تحسين ظروف العمل وزيادة الرواتب التي تقلصت بفعل زيادة عدد ساعات العمل وانخفاض قيمتها. النقابة لوّحت بالإضراب أو تقديم استقالات جماعية، فيما رئيس مجلس إدارة الشركة يؤكد أن سيستجيب لمطالبهم بعد حل «أزمات الشرق الأوسط» (!)، آملاً في الاستحصال على غطاء سياسي لطرد أي طيّار «متمرّد»
فيما تُراهن السلطة على الموسم السياحي، يرفع طيارو الـ«ميدل إيست» الـ90 (18 منهم سافروا للعمل في الخارج بعد تقديم إجازات غير مدفوعة) الصوت عالياً مطالبين بحقوقهم. فهم، كما كل العاملين في لبنان، فقدوا أكثر من 90% من قيمة رواتبهم خلال السنوات الـ3 الماضية، ولو أنهم استعادوا بعضاً من هذه القدرة الشرائية بطريقة «التنقيط» التي يستخدمها رئيس مجلس الإدارة المدير العام للشركة محمد الحوت. مع ذلك، لم يسترد الطيارون أكثر من 60% من قيمة رواتبهم (نحو 2500 دولار) رغم أن الشركة تبيع تذاكر السفر بالدولار النقدي. لكن لا حساب للطيارين في المكاسب التي تحصدها الشركة «على ظهرهم». هم يريدون تحسين رواتبهم، أو على الأقل وعداً بتحسينها قريباً.
يشير الكثير من الطيارين إلى أن الأزمة ليست في الرواتب بقدر ما هي مرتبطة بالحفاظ على سيرورة العمل والمهنة التي تُعد «نادرة». يقول أحد الطيارين: «هدفنا ليس الإساءة للشركة بل على العكس نريد الحفاظ عليها باعتبارها شركة وطنيّة مربحة نعيش منها وننتمي إليها». وبدلاً من أن يُقابل الحوت هذا الكلام بإيجابية، قام أخيراً بزيادة عدد ساعات الطيران التي يسمح للطيارين القيام بها (9 ساعات يومياً، و95 ساعة شهرياً و260 ساعة كل 3 أشهر و900 ساعة سنوياً) خلافاً لمضمون المرسوم الاشتراعي 12044/1969. ولم يقم بذلك وحده، بل بالتعاون مع المديرية العامة للطيران المدني التي وافقت على زيادة عدد ساعات الطيران يومياً من 95 ساعة إلى 105 ساعات. أكثر من ذلك، ربط الحوت ساعات الطيران بالقسم الأكبر من الراتب، أي 65% بعدما كان محدداً بـ20% من الراتب كمعظم شركات الطيران العالمية.
هذا ما يزيد الضغوط على الطيارين الذين يقوم بعضهم بالطيران بغض النظر عن تعبهم الجسدي أو النفسي أو حتى إن كانوا مرضى بهدف الحفاظ على رواتبهم الشهرية، حتى أنهم يقومون بالطيران يومياً. علماً بأنه أمر غير محبّذ عالمياً بسبب الضغوط التي تسببها ساعات الطيران والقلق الناتج منها، ولا سيما أنه يترتب على الطيارين مراعاة الصحة الجسدية والنفسية للاستمرار في عملهم. الطيار يخضع كل ستة أشهر إلى امتحانٍ نفسي وجسدي للتأكد من جاهزيته، وهذا ما دفع عدداً من الشركات إلى «استئجار» طيارين من الخارج.
ويرفض الطيارون أي اتهام بأنهم استغلّوا الموسم السياحي للمطالبة بتحسين أوضاعهم، بل يجزمون بأن التصعيد سيأتي لاحقاً إذا لم تتحلحل المفاوضات مع إدارة الشركة. ويستعيدون الكثير من «التضحيات»، وفوقها اليوم ارتفاع الطلب العالمي على الطيارين بسبب توقف مدارس تعليم الطيران أثناء انتشار كورونا، وتقاعد عدد كبير من الطيارين خلال هذه الفترة وقيام بعض البلدان بشراء طائرات جديدة. كل ذلك أدى، بحسب نقيب الطيارين إيهاب سلامة، إلى زيادة الطلب على الطيارين للمرة الأولى بالتاريخ، مشيراً إلى أن بعض الطيارين تصلهم عروض عمل من الخارج من دون التقدم للوظيفة مقابل ما بين 3 أضعاف و5 أضعاف الراتب الذي تدفعه «MEA»، ولا سيما أن إعداد الطيار المتمرّس يتطلّب أكثر من 10 سنوات.
ما يحزّ في نفوس الطيارين، وفق سلامة، هو «المستوى المعيشي لزملائنا الذين ذهبوا أخيراً للعمل في الخارج، من المساكن التي تؤمنها الشركات الأجنبية والحوافز بالإضافة إلى ارتفاع الرواتب، وهذا ما يزيد الضغوط على النقابة من الأعضاء الذين يريدون منها أن تتحرّك قبل أن يتخذوا قرارهم بتقديم استقالاتهم والهجرة». وهذا ما يخشى منه سلامة الذي يشير إلى أن الاستقالات ستُعرّض المهنة للخطر مع النقص في عدد الطيارين اليوم.
كل ذلك، حتّم على نقابة الطيارين أن تزيد وتيرة اجتماعاتها مع الحوت خلال السنوات الـ3 الماضية للتوصل إلى اتفاق يُرضي الطرفين، إلا أن «سلسلة الاجتماعات هذه لم تؤد إلى أي نتيجة بسبب تقصّد الإدارة اعتماد سياسة إضاعة الوقت والتسويف لعدم إعطائنا حقوقنا»،. ويقول طيارون شاركوا في هذه الاجتماعات إن «التعاطي معنا كان سيئاً. مرّة يقولون لنا أن نحمد ربنا لأنهم لم يطردونا في الوقت الذي كنا نتقاضى به 10% من رواتبنا، ومرة يعطوننا القليل من أجل إسكاتنا، ومرة يطلبون منا الصبر حتى تتمكن الشركة من حفظ مالٍ احتياطي لأكثر من سنة خشية انهيار البلد نهائياً أو تحسباً من ضربة إسرائيلية، قبل أن يصرّح الحوت بالفم الملآن بأنه لن يعمد إلى تحسين الرواتب قبل انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة وتوقيع لبنان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية وبعد التأكد من الاستقرار السياسي والأمني للبلاد».
يضحك الطيارون على شروط الحوت «التعجيزية»، قبل أن يؤكدوا أن الإنجازات التي يفتخر بها الحوت، لم يصل إليها إلا إبّان عهود التجاذبات السياسية والأمنية، لافتين إلى «أننا لم نكن لنُطالب بحقوقنا لو كانت الشركة تخسر من أموالها أو كانت تتقاضى على سعر صرف الدولار الرسمي، ولكن أرباح الشركة مرتفعة خصوصاً بعد الحرب الروسية – الأوكرانية وهبوط عدد من الطائرات الذاهبة إلى أوروبا في بيروت».
ولأن هذه الاجتماعات لم تأتِ بنتيجة، أرسلت نقابة الطيارين أمس كتاباً رسمياً إلى الإدارة تُطالبها فيه بـ«تقديم رؤية واضحة لكيفيّة تحسين ظروف الطيارين ضمن مهلة مُحدّدة، وعدم ربط الراتب بالإنتاجية (ساعات الطيران) بهدف الحفاظ على السلامة العامة، بالإضافة إلى الالتزام بالقوانين المحلية والدولية ولا سيما المرسوم الإشتراعي الذي يُحدّد عدد ساعات الطيران».
يأمل سلامة بأن تتعاطى إدارة الشركة مع هذا الكتاب بإيجابية خصوصاً أن الهدف منه ليس تحسين الرواتب وإنما أيضاً الحفاظ على ديمومة الشركة وسمعة الطيارين ومستواهم المهني. أما في حال اعتمدت «MEA» عكس ذلك، فيشدّد نقيب الطيارين على «أننا نتصّرف من موقع القوة والمسؤولية، ولذلك فإن كل الخيارات مفتوحة، ونحن منفتحون على أي حل خصوصاً أن تاريخ علاقتنا بالشركة يصلح لبناء الثقة. كما أن الرأي العام يهمّنا وكذلك الأمر بالنسبة للموسم السياحي الذي نُريد الحفاظ عليه، ولكن أي تصعيد من قبلنا تتحمّل إدارة الشركة مسؤوليته».
ولمنع الطيارين من الإضراب الذي سيُعطّل مطار بيروت بشكلٍ كلي، يسوّق الحوت أمام زواره بأنه قام بجولة على المرجعيات السياسية واستحصل منها على غطاء لطرد أي طيار يتمرّد على الإدارة أو يُشارك بالإضراب الذي يُمكن أن يحصل».