يسيطر التخبط على السوق اللبناني، حيث يبتلع سعر صرف الدولار ما تبقى من خدمات ومهن كان لبنان الرائد بها، ولعل أبرزها مهنة الصيدلة التي تشهد اليوم تحولا خطيرا على مستوى شركات الأدوية ومكاتبها العلمية.
يدخل المواطن اللبناني الى الصيدلية ليفاجأ بتغيير كبير طرأ على هويتها حيث استُبدلت رفوف الأدوية بأخرى لجميع أنواع الزيوت وكريمات التجميل، أما الادوية الاساسية التي لها علاقة بالامراض المزمنة فهي مفقودة بالكامل، حتى الصيدلي لم يعد مندفعا لشرائها فهي بالنسبة اليه باتت حملا ثقيلا اذ ترفض الشركات تسليم هذه الانواع بشكل دوري وفي حال تمكن الصيدلاني من شرائها اليوم قد يبحث عنها لاحقا لأن الشركة الموزعة تجد له الاعذار المانعة لبيعه الدواء نفسه ما يسبب خلافا مع الزبون الذي يتهم الصيدلاني باخفاء الدواء أو بيعه بسعر السوق السوداء. وأمام هذه الحالة يُفضل الصيدلاني التخلي عن مهنة بيع مثل هذه الادوية واللجوء الى سوق التجميل والكريمات التي تُعنى بالبشرة أفضل برأيه من أدوية البشر.
يُعاني القطاع في لبنان من أزمة كبيرة بفعل سياسة الدعم التي كانت متبعة لعقود، وأثرت بشكل أساسي على الصناعة الوطنية للدواء فعوض دعم انتاجها لاسيما تلك التي تستعمل بشكل يومي كالمسكنات والادوية المرتبطة بالجهاز الهضمي او ضغط الدم، بادرت الدولة الى دعم الشركات المستوردة لهذه الادوية وتعويمها فأهملت الانتاج عبر دعم انشاء المصانع المحلية وأعطت التجار فرصة استيراد كميات كبيرة منها في السوق وبيعها بملايين الدولارات سنويا.
وما يُحكى عبر مجموعات الواتس أب بين الصيادلة حيث يتواجد نقيبهم جو سلوم يؤكد صحة هذا الكلام، حيث يرى الصيادلة أن ما وصلنا اليه اليوم سببه فساد عن سابق تصور وتصميم ونتيجة السياسات التي لم يكن لها قاعدة علمية او صحية انما كان الهدف الوحيد منها هو تهريب الدواء أو تخزينه لبيعه لاحقا بأسعار خيالية او استيراده بطريقة استثنائية مخالفة لكل الاعراف والقوانين من أجل كسب المزيد من الاموال.
ويُلمح الصيادلة الى دور أداه بعض المسؤولين عن الملف في السابق حيث عملوا برأيهم على تصدير الدواء الى الخارج بموجب تصريح، أما الدواء الذي خُزّن في المستودعات فتم شراؤه بموجب فواتير وكل ذلك يحصل فيما تنام برأيهم الملفات القضائية.
وضعُ مهنة الصيدلة اليوم في خطر باعتراف الجميع، واستحوذت “دبي” على الدور الذي كانت رائدة فيه بيروت، فانسحاب المكاتب العلمية التي كانت متواجدة في بيروت وهي تابعة للشركات الكبيرة في الخارج وكانت متواجدة في بيروت، قد انتقلت كلها الى دبي مع شركاتها. هذه المكاتب لها دور بارز بتوظيف الصيادلة وانتقاء الافضل منهم كما تجري دراسات معمقة حول الادوية التابعة للشركة، وفي حال تبين وجود اخطاء تتعلق بنوعية الدواء يقوم المكتب العلمي بسحبه من الاسواق وتحويله الى الشركة الأم لاجراء المزيد من البحث وانتاج الافضل. هذه الخطوة تُعد المسمار الاخير في نعش القطاع الصيدلاني الذي سلم بالازمة ولا يملك اليوم أي أمل بالاستمرار في ظل هذا الوضع السيء الذي نعيشه.