إرجاء النظر بالكابيتال كونترول.. بانتظار الحل الشامل

في خلاصة خمس ساعات من النقاش في اللجان المشتركة، تقرّر إرجاء النظر في مشروع قانون الكابيتال كونترول، من دون حتّى الدخول في مناقشته مادّة مادّة. وعلى هذا الأساس، سينتظر المجلس النيابي تلقّي خطّة التعافي المالي الشاملة من الحكومة اللبنانيّة، مع جميع القوانين المرتبطة بها، ليتم على أساسها البحث في الضوابط التي يمكن فرضها على التحاويل والسحوبات. النتيجة من حيث المبدأ جيّدة، طالما أنّ تمرير القانون بصيغته الحاليّة، ومن دون الارتباط بسلّة أشمل من الحلول المتكاملة، كان سيمثّل غطاء لتطبيع الوضع الراهن وتشريعه، من خلال قوننة القيود المفروضة على المودعين من دون رسم مسار إعادة هيكلة المصارف، الذي يفترض أن يمهّد لإعادة الإنتظام للقطاع المصرفي.

حفلة خطب شعبويّة

على هامش الجلسة، حفل اليوم الطويل بسلسلة من الخطب الشعبويّة، التي أظهرت أن معظم الكتل النيابيّة التي توجّست من مناقشة مشروع القانون، على وقع صرخات المودعين في الخارج، لا تعرف أساسًا ما هو “الكابيتال كونترول” ولا الغاية التي يفترض أن يخدمها. على هذا النحو مثلًا احتج النائب علي حسن خليل على طرح مشروع القانون على نحو لا يؤمّن الحماية للمودعين، وكأن غاية الكابيتال كونترول حماية المودع لا فرض قيود على استعمال المودع لأمواله في المصرف! وهكذا، وبدل أن يتجه التركيز في بعض الخطب إلى الضغط باتجاه إنجاز مسودّة مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، ليتم على أساسها تعديل قانون الكابيتال كونترول، تحوّلت بعضها الخطب إلى حفلة زجل حول قدسيّة الودائع، بما يذكّر بإشارة البنك الدولي إلى هذا النوع من الخطب بوصفها شعارات “جوفاء وانتهازيّة”.

النائب حسن فضل الله أعاد التذكير بمشروع قانون تقدّمت به الكتلة، ينص على “حماية أموال المودعين في المصارف وصونها في أي خطّة تعافي للحكومة أو في أي تشريع له علاقة بالمصارف”. ولم يكن من الواضح كيفيّة اتصال الفكرة بمسار التعافي المالي وأدوات المعالجة، خصوصًا أن الودائع يُفترض أن تكون حسب القوانين الحاليّة مصانة كإلتزامات متوجّبة على المصارف، فيما بات السؤال حول كيفيّة توزيع خسارة تقارب قيمتها 73% من الودائع المتوجّبة! أي بمعنى آخر، المطلوب من قانون إعادة الهيكلة لم يعد تقديس إلتزامات المصارف، بل وعلى العكس تمامًا، تحديد أولويّات السداد. وهنا مجددّا، ثمّة ما يذكّر بتقرير البنك الدولي نفسه، الذي أشار –بعد الحديث عن شعارات قدسيّة الودائع- إلى أنّه كان من الضروري تحديد الخسارة وقبولها بما يحمي أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسّطة، وبما يحمّل الخسائر إلى الرساميل المصرفيّة وكبار الدائنين المستفيدين من أرباح المرحلة السابقة.

في كل الحالات، وحسب النقاشات يوم أمس، ظلّ النائب ميشال ضاهر، وإلى حدٍّ ما نوّاب حزب الله والتيار الوطني الحر، يصرّون على ضرورة المضي بمناقشة تفاصيل مشروع القانون، فيما بدا أن سائر الكتل ظلّت خائفة من فتح هذا الملف قبل تبيان سائر تفاصيل خطّة التعافي المالي.

شبح رياض سلامة

في الجلسة، طُرح السؤال عن ضرورة مشاركة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الجلسات، خصوصًا أن بعض بنود مشروع القانون تتصل بسقوف السحوبات، وهو ما يُفترض أن يعتمد على أرقام المصارف وحجم السيولة المتاح لتمويل هذه السحوبات. وهنا، بدا من الواضح أن مجرّد فتح الموضوع سبب ارتباكًا وحرجًا، سببهما وجود مذكرات بحث وتحرٍّ لا تسمح للحاكم بالتجوال والمشاركة في جلسات رسميّة من هذا النوع. وبينما حاول نائب رئيس المجلس الياس بو صعب “ختم” النقاش بإشارة دبلوماسيّة إلى إمكانيّة البحث لاحقًا في كيفيّة تحقيق هذه المسألة، عاد النائب جبران باسيل لرمي القنبلة مجددًا متسائلًا عن كيفيّة “جلب رياض سلامة” إلى مجلس النوّاب إذا كان جلبه إلى جلسات التحقيق القضائي متعذّرًا.

سعادة الشامي مقموعًا

وحده نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي خرج مستاءً من جلسة يوم أمس، بعدما حاول جهده إقناع النوّاب المشاركين بالجلسة بالدخول في تفاصيل مشروع القانون المطروح. وبعد الجلسة، أشار الشامي للصحافيين إلى أنّ الجلسة لم تشهد أي نقاش فعلي في صلب الموضوع المطروح، بينما اقتصرت المشاركات على طرح شعارات فضفاضة وبعيدة عن جوهر النقاش الفعلي. مصادر مشاركة في الجلسة أشارت إلى أنّ الشامي لم يتمكّن حتّى من التدخّل بحريّة في النقاشات للدفاع عن وجهة نظره أمام اللجان المشتركة، في ما بدا كتكرار للتضييق الذي تعرّض له الشامي في جلسات مناقشة قانون تعديلات سريّة المصارف. مع الإشارة إلى أنّ سياسة التضييق على الشامي في الجلسات تذكّر بنمط التعامل نفسه مع وزير العدل السابقة ماري كلود نجم، والتي تتشارك مع الشامي عدم رضا لوبي المصارف عنها.

نوّاب التغيير

نوّاب قوى التغيير واكبوا الجلسة بمؤتمر صحافي تلا كلمته النائب إبراهيم منينمة، الذي أشار إلى أنّ مشروع القانون يأتي اليوم بمقاربة وصيغة خطيرة تنبئ بما لا تُحمد عقباه، وهو ما يدفع إلى دق ناقوس الخطر ودعوة الرأي العام للتأهب إزاءه. وأشار منيمنة إلى أنّ تداعيات مشروع القانون لا تقتصر على الوضعيّة القانونية لأموال المودعين، بل تطال احتمالات نجاح مسار التعافي الاقتصادي وإمكانيّة الشروع بمسار التصحيح المالي. لكن وبخلاف تصريح نوّاب الكتل الأخرى، عاد منيمنة ليشدد في ختام كلمته إلى ضرورة القانون وأهميته، إنما كجزء من خطة التعافي المالي ككل، وكأداة تخدم أهداف هذه الخطّة.

في خلاصة الأمر، انتهت نقاشات الكابيتال كونترول إلى ما يشبه ربط النزاع المؤقّت مع المصارف، بعدما فعلت الاحتجاجات خارج مجلس النوّاب فعلها، وشكلت ضغطاً إعلامياً أفضى إلى إحجام معظم الكتل عن الشروع بمناقشة تفاصيل مشروع القانون. لكن ومع هذا كلّه، ورغم إيجابيّة ما حصل يوم أمس، يمكن القول أن المجلس النيابي سيحتاج إلى مناقشة مشروع القانون مجددًا في المستقبل في كل الحالات، خصوصًا أن تطبيق أي خطّة تعافٍ مالي سيكون متعذّرًا من دون قانون من هذا النوع، لضرورته في مساري إعادة هيكلة المصارف وتوحيد أسعار الصرف. باختصار، الكابيتال كونترول ضرورة ملحّة في جميع الحالات، والسؤال الفعلي هو حول شكله وصيغته، وليس مدى الحاجة إليه.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةلجنة الاقتصاد: لا يمكن النهوض بالاقتصاد من دون نظام مصرفي
المقالة القادمة“الضمان الاجتماعي” كسرته الدولة ولم ينهزم: الأمل بمعاش تقاعدي