خمسة أشهر مرّت على الاتفاق المبدئي الذي عقدته السلطات اللبنانية مع بعثة صندوق النقد الدولي، في 7 نيسان الماضي، والذي يمهّد مبدئياً للوصول الى تفاهم على برنامج تمويل من قِبل الصندوق بقيمة 3 مليار دولار، مقسّطة على 4 سنوات، بهدف وقف الانهيار القائم، والعودة إلى التعافي الاقتصادي والمالي.
مع مرور الوقت، بدأت البنود الالزامية التي نصّ عليها الاتفاق الأولي تسقط من الذاكرة. لكن، ومن خلال مراجعة النصّ الأصلي للاتفاق على «مستوى الموظفين»، والذي وزّعته ادارة صندوق النقد في واشنطن، يمكن تقدير المرحلة التي قطعها لبنان حتى الآن في رحلة تنفيذ هذه البنود، والتي من دون تنفيذها، لا يمكن عقد اتفاق لبرنامج تمويل مع الصندوق. فهل ما أُنجز يوحي بأنّه تمّ قطع مسافة جيدة نحو الإنجاز، ولم يبق سوى القليل؟
8 بنود إلزامية وردت في الاتفاق الاولي، للوصول إلى توقيع برنامج التمويل، من المفيد تفنيدها مجدداً، لنعرف أين وصلنا اليوم.
البند الاول، يتعلق بموافقة الحكومة على خطة إعادة هيكلة القطاع المصرفي. هذا الامر لا يزال غامضاً، لأنّ خطة اعادة الهيكلة غير واضحة بدورها.
البند الثاني، ينصّ على موافقة المجلس النيابي على خطة إعادة هيكلة المصارف، وهذا الأمر لم يتمّ حتى الآن.
البند الثالث، إعادة تقييم لأوضاع 14 مصرفاً، بالتعاون مع شركة عالمية متخصصة. هذا الامر ليس معروفاً أين أصبح، مع الاشارة إلى انّ النواب أبلغوا في خلال اجتماع اللجان النيابية المشتركة، انّ المهمة أُنجزت تقريباً، من دون ان يُفصح من بث الخبر السعيد عن أية تفاصيل تؤكّد صحة الخبر. وبالتالي، ينبغي الانتظار لمعرفة حقيقة ما جرى على هذا الصعيد، خصوصاً انّ البنوك غير المشمولة بإعادة التقييم تعترض على الامر، وتعتبر انّ هناك تعسفاً في اختيار 14 مصرفاً فقط. وقد سجّلت اعتراضها لدى الصندوق، ولدى الموفد الفرنسي بيار دوكان، الذي أبدى تفهمه للاعتراض، ووعد ببحث الموضوع مع الصندوق، ومع السلطات اللبنانية المعنية.
البند الرابع، إقرار المجلس النيابي لتعديلات على قانون السرية المصرفية تجعله متماهياً مع المعايير الدولية القائمة. وفي هذا السياق، تمّ إنجاز هذا البند، ولو انّ البعض يتحدث عن اعتراضات لدى صندوق النقد بسبب إفراغ القانون من مضمونه. لكن الصندوق يبدو راضياً بالتعديلات، لأنّه لا يركّز على النقاط التي تركّز عليها بعض القوى السياسية والمدنية اللبنانية، خصوصاً لجهة المفعول الرجعي. إذ ما يهمّ الصندوق هو ان يكون القانون صالحاً للتماهي مع خطة التعافي في المستقبل، ولا يعنيه ما يطمح اليه البعض في موضوع المحاسبة. وهو بالتالي لا يعترض ولا يؤيّد ما يتعلق بشق المساءلة (accountability) على الماضي. مع الاشارة هنا، إلى أنّ رئيس الجمهورية تراجع عن توقيعه على التعديلات على قانون السرية المصرفية، وأعاده الى المجلس النيابي، وبالتالي، يمكن القول انّ القانون بصيغته الجديدة أصبح معلّقاً بانتظار ما سيقرّره المجلس في هذا الصدد.
البند الخامس، إستكمال جردة الحسابات لمصرف لبنان، لمعرفة حجم الاحتياطي ووضعه المالي، بهدف إعادة الشفافية إلى البنك المركزي. هذا الأمر لم يتحقق بعد. وما زالت الامور على غموضها، طالما لا يوجد تقرير صادر عن مؤسسة دولية موثوقة، يحدّد الوضعية الحقيقية لمصرف لبنان.
البند السادس، ينصّ على إقرار الحكومة استراتيجية متوسطة المدى لإعادة هيكلة الدين العام، بهدف ضمان استدامة (sustainability) هذا الدين. وهذا الامر لم يتحقق بعد، ولن يتحقق طبعاً في حكومة تصريف اعمال.
البند السابع، يطلب إقرار المجلس النيابي لموازنة العام 2022، بهدف إعادة الانتظام المالي إلى الدولة. وهذا المطلب لم يتحقق بدوره، وما زالت الموازنة مشروع خلافات وتجاذبات لا تبشّر بأنّها ستُقرّ فعلاً، حتى ولو على طريقة كيفما تيسّر.
البند الثامن، يدعو إلى أن يقوم مصرف لبنان بتوحيد سعر الصرف، وان يتمّ دعم هذه الخطوة بتطبيق قانون «كابيتال كونترول».
إذا حاولنا تلخيص النتائج للخروج بعلامة، يمكن القول، وفي أحسن الحالات، انّ لبنان حصل حتى الآن على علامة 1,5 على 8، نصف علامة لكلٍ من البنود 1،3،4.
إذا أضفنا إلى هذه البنود الثمانية والتي تُعتبر الممر الإلزامي للوصول إلى اتفاق نهائي مُنجز مع صندوق النقد الدولي، مسألة التعديلات على خطة التعافي، والتي أعلن عنها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في المجلس النيابي، والتي تعني انّ الخطة التي تمّ الاتفاق بموجبها مع صندوق النقد لم تعد قائمة، ويحتاج الامر إلى التوافق مجدداً مع الصندوق حول هذه التعديلات، سنصل الى نتيجة مفادها انّ الاتفاق مع الصندوق لا يزال على مسافة بعيدة، وبعيدة جداً، قد لا يقطعها لبنان ابداً.