خطورة التقلبات التي شهدها سوق صرف الدولار في الأيام القليلة الماضية لا تتعلق بتأرجحه بين 39 ألف ليرة، و37 ألفاً. فالفارق بين السعرين وإن بدا كبيراً، فإن نسبته تبقى بحدود 5 في المئة. وهي النسبة نفسها التي كان يلعب فيها الدولار يومياً في منتصف العام 2020، عندما كان سعر الصرف لا يزال عند حدود 5000 ليرة. الخطورة تتمثل في أمرين: الاول هو أن الدولار يثبت أقدامه عند هذه العتبة، ويستعد لوثبة جديدة. وذلك بعدما كسر حاجز الخوف عند المواطنين، وأصبح التراجع بـ 1000 أو 2000 ليرة أمراً يهلل له. الثاني، التسعير أصبح على 40 ألف ليرة مهما تراجع السعر.
ما يجري على صعيد سوق الصرف هو “النتيجة الطبيعية لغياب السياسات الاقتصادية التي تمسكها الحكومة، والمالية التي تضطلع فيها وزارة المال عبر الموازنة، والنقدية التي يمسكها المصرف المركزي، وترك السوق للضباع”، يقول الكاتب في الاقتصاد السياسي البروفسور بيار خوري، فـ”لكل سياسة من هذه السياسات أهمية قصوى في السيطرة على سعر الصرف، وضبط معدلات التضخم”. وبحسب خوري فانه “في ظل غياب السياسة النقدية أصبح السوق يقوم على المضاربة. فلا أسعار للفائدة يمكن التدخل بها لامتصاص فائض السيولة أو التشجيع على الانفاق. ولا تداول للسندات الحكومية بيعاً وشراء ممكناً. ولا قدرة فعلية لمصرف لبنان على التدخل في السوق بائعاً أو شارياً للدولار. ومع غياب السياسة النقدية تحل تصفية المراكز المالية من قبل المضاربين من أجل تعظيم الارباح. فعندما يرتفع سعر الصرف إلى 39 ألف ليرة يتهافت المضاربون لتسكير مراكزهم، فينخفض السعر. ومن ثم يعمدون إلى زيادة الطلب فيرتفع، وفي الحالتين يحققون أرباحاً كبيرة”.
المشكلة الثانية التي لا تقل تأثيراً على سعر الصرف تتمثل في غياب الآفاق. فمع انعدام الأمل بأي تغيير مستقبلي “يبني المضاربون أرباحهم بالتوافق مع اتجاه السوق”، برأي خوري، فـ”الافق مقفل، والليرة كأنها ريشة يتلاعب بها الهواء في ليلة عاصفة. وكل التقارير، وآخرها لوفد صندوق النقد الذي زار بيروت مؤخراً، تظهر تقييماً سلبياً لأداء السلطة. وهذا ما سيعرض لبنان لاعتباره دولة غير جدية وغير مرغوب التعامل معها”.
الخطر الثالث تمثل في الموازنة. ففي حين كان الغرض منها ضبط الانفاق فاجأت الجميع باقرار زيادة على الرواتب في القطاع العام 3 أضعاف. أي “بدلاً من أن تكحلها الحكومة بأرقام منطقية، أعمتها بـ بزيادة 65 في المئة على النقد المتداول في السوق”، يقول خوري. فكتلة الاجور سترتفع من حدود تتراوح بين 9 و12 ألف مليار ليرة إلى أكثر من 30 ألف مليار. وهذا ما سيحمل تداعيات بالغة الخطورة على التضخم، وبالتالي على ارتفاع سعر صرف الدولار أكثر. وفي المقابل ستكون معالجة انعكاسات هذا الاجراء مكلفة جدّاً على الاقتصاد، خصوصاً مع الاتجاه إلى فرض ضرائب ورسوم، تبقى قاصرة مهما زادت.
الدولة هي من وضعت لبنان واللبنانيين على “أرجوحة” الدولار. مع العلم أنه لا توجد دولة واحدة في العالم تترك عملتها للسوق السوداء كما تفعل الدولة اللبنانية. وعليه، الدولة اللبنانية مسؤولة عن إنزاله قبل فوات الأوان.