الاتفاق الذي توصّل إليه لبنان مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية بينهما، ووصفه البعض بـ”التاريخي”، يتيح من دون شك للطرفين التنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة المتنازع عليها من مياههما الإقليمية، هذا من حيث الشكل. اما في التطبيق فالأمور تختلف جذرياً.
وحسب خبراء نفط “فإن لبنان يملك فعلياً حق السيادة على مياهه فوق البحر فقط، مقابل تسليمه السيادة على الثروة الطبيعية في قعر المياه لمجموعة مكوّنة من المشغّل شركة توتال والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل”.
فهل يعني ذلك أن حصة لبنان من غاز حقل قانا يمكن أن تتضاءل على حساب زيادة حصة اسرائيل من الحقل؟ والسؤال الجوهري هو ماذا لو تبيّن أن أغلبية مساحة حقل قانا أو الجزء الأكبر منه يقع ما بعد الخط 23 أي في المياه الإسرائيلية؟
شكوك بامتداد حقل قانا
لا ثوابت اليوم على أن حقل قانا، كما تم الترويج له، يمتد بغالبية مساحته داخل المياه اللبنانية. فمن المحتمل أن تظهر الصورة المعاكسة تماماً، أي أن يتبين بعد عمليات الاستطلاع والحفر أن حقل قانا بغالبية مساحته داخل المياه الاسرائيلية أي جنوبي الخط 23. وهذا أمر وارد جداً بحسب خبراء، حينها ما العمل؟
لبنان حتى اليوم لا يعرف متى وأين ستقرر شركة توتال الحفر، ومن المحتمل أن تحفر جنوب البلوك رقم 9 وبذلك تكون التقديرات، بأن يمتد حقل قانا نزولاً (أي جنوباً) وليس صعوداً (أي شمالاً). وهذا يعني حسب المديرة التنفيذية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز، ديانا القيسي، (LOGI) بأن جزءاً كبيراً من حقل قانا يكمن جنوبي الخط 23.
وفي هذه الحالة يعني أن توتال قد لا تعطي اسرائيل 17 في المئة فقط من الغاز، ومن الممكن أن تصل حصة اسرائيل إلى 80 في المئة من غاز حقل قانا. وهنا لا يمكن القول أن توتال ستعطي من أرباحها وليس من حصة لبنان.
وإذ تسأل القيسي في حديثها إلى “المدن” ماذا لو كانت اغلبية امتداد حقل قانا أو الجزء الأكبر منه تقع ما بعد الخط 23؟ تقول: نحن لسنا مشترطين على توتال أين ستحفر في البلوك رقم 9، وهي غالباً ستحفر نزولاً لعدة أسباب جيولوجية. وبذلك فإن القسم الاكبر من حقل قانا سيكون في الجانب الاسرائيلي. حينها كيف يمكن ترجمة أرباح توتال في حال تبين أن القسم الأكبر من الحقل جنوب الخط 23.
هذه الحالة تستلزم وضع سيناريو يحفظ حق لبنان قبل التوقيع. وهنا تطالب القيسي بتثبيت نسبة الـ17 في المئة التي تتحدث عنها اسرائيل خطياً في العقد. وذلك لتجنيب لبنان خسارة محتملة من حصته من غاز حقل قانا.
الحفر بعد الخط 23
حسب القيسي، فإن المكان الذي ستحفر فيه توتال سيؤثر على امتداد حقل قانا. ففي حال حفرت من الجهة الجنوبية للبلوك رقم 9، وتبين أن قانا يتخطى الخط 23، فذلك يعني أن حصة اسرائيل ستتخطى نسبة 17 في المئة من الأرباح.
هذه المخاوف لا تقتصر على القيسي، إنما يعبّر عنها العديد من خبراء النفط، من بينهم الخبير في شؤون الطاقة وليد سنو الذي يحذّر من فقدان حق لبنان بفرض سيادته على قعر مياهه الإقليمية، وتالياً من ضياع ثروته الغازية في المنطقة الحدودية.
ويشرح سنو في حديث إلى “المدن” إن قانا ليس حقلاً بل هو تركيبة جيولوجية تم اكتشافها عبر المسح الزلزالي. ومن الممكن أن يتواجد فيها الغاز. وحتى يتواجد الغاز في تلك التركيبة يجب أن تتوفر عدة مكونات منها كأن يتواجد مكمن (أو reservoir) وهو عبارة عن مكان مهيأ لوجود الغاز. وكل مكمن لديه مواصفات مختلفة. باختصار، هناك العديد من الأسئلة التقنية لا يمكن الإجابة عليها قبل الحفر. وهذا يعني -حسب سنو- أن حقل قانا غير مكتشف بعد، وفي حال تم الاستكشاف تكمن المشكلة بأن اتفاق ترسيم الحدود لم يتضمن أي اتفاق واضح “وكل ما اتفقوا عليه الأطراف هو أن توتال يمكنها أن تحفر جنوب خط 23”.
يعتقد سنو بأن توتال ستبدأ الحفر بداية جنوب الخط 23، والبلوك 9 كما هو مرسوم، يصل إلى الخط 23. لكن حسب التركيبة التي تحدث عنها يتضح ان البلوك يمتد لما بعد الخط 23. وبرأي سنو، إن الحظوظ متوافرة أكثر للاستكشاف جنوب خط 23 وعليه ستبدأ توتال بالحفر.
حصة الـ17 في المئة
الاتفاق الذي حصل بين لبنان وإسرائيل، وإن كان مفعوله الإيجابي يكمن في تحديد الخط الفاصل بين البلدين، إلا أنه يفتح الباب على مشكلة ترتبط بتطوير الثروة الطبيعية. فلبنان سلم قرار التطوير في حال تم التوصل إلى استكشاف، إلى فريق الولايات المتحدة الاميركية وتوتال واسرائيل. ذلك بحكم أن لبنان يرفض الجلوس مع اسرائيل على طاولة مفاوضات. وبالتالي، على توتال أن تستحصل على إذن من اسرائيل قبل الحفر، خصوصاً في حال كان الحفر جنوب الخط 23. ويقول سنو: لنفترض أن إسرائيل أعطت الضوء الأخضر لتوتال، فالاتفاق بين توتال واسرائيل لن يكون لبنان على دراية تامة به، لعدم تواجده على طاولة المفاوضات بين الطرفين. وفي حال تم الاتفاق، فإن تطوير الحقل وطريقته وآليته يتم برعاية أميركية. وهنا تكمن المشكلة بأننا لم نتفق على شيء.
ويتخوف سنو من أنه في حال حفرت توتال جنوب الخط 23 وتبين وجود المكمن، حينها لن يكون هناك ما يمنع اسرائيل من وضع يدها على الغاز أو ربما المطالبة بنسبة 80 في المئة من الغاز لأنه جنوب الخط. ويشير إلى أنه علمياً يمكن أن يكون المكمن المكتشف موجود جنوب الخط 23. وفي حال حصل ذلك، قد تطالب لاسرائيل بحصة أكبر بكثير من الحصة التي أعلنتها، وهي 17 في المئة.
لتصويب الاتفاق
في ظل هذه المخاوف يطالب خبراء الدولةَ اللبنانية بالتمسك بترجمة نسبة الـ17 في المئة في العقد، بمعنى أن على الدولة اللبنانية اليوم المطالبة والتمسك بتوقيع العقد، مشمولاً بتصريح واضح بتحديد حصة اسرائيل 17 في المئة من غاز حقل قانا، تجنباً لاي مطالبات مقبلة.
أما عن رفض لبنان المشاركة بالمفاوضات المقبلة بين توتال واسرائيل، فيسأل سنو ما المانع من أن يوكل لبنان مستشاراً أو ممثلاً عنه للجلوس على طاولة التفاوض بين توتال واسرائيل حرصاً على حقوق لبنان. ويمكن استقدام شركة تفاوض نيابة عنا كما استقدمنا لازارد للتفاوض عن لبنان مع الدائنين، وذلك بهدف تمثيل لبنان ووجوده على طاولة التفاوض بين توتال وإسرائيل حفظاً لحقوقه مستقبلاً.
ويختم، نحن فعلياً نملك حق السيادة على المياه فوق البحر في حين سلمنا سيادتنا على الثروة الطبيعية والجيولوجيا لتوتال وأميركا واسرائيل “لذلك في حال تم التوصل إلى استكشاف، لا يمكن العودة إلى الوراء. وعلى لبنان اليوم أن يتمسك بالتوقيع على 17 في المئة بشكل واضح وصريح، تجنباً لأي إشكالات مستقبلاً بخصوص زيادة نسبة إسرائيل من الغاز”.