رَفَعَ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، السقف عالياً بطلبه 6.7 مليار دولار من الدول والجهات المانحة، للمساهمة في حّل أزمة الكهرباء في لبنان بشكل نهائي، من خلال الاعتماد على الطاقة المتجدّدة. وقد يمرّ الطلب بشكل طبيعي ضمن خطابٍ في مؤتمرٍ للمناخ على شاكلة النسخة 27 من مؤتمر المناخ المنعقد في مصر، إلاّ أن ما يحفّز على الوقوف عند هذا الطلب، هو تزامنه مع الانهيار في لبنان، وانشغال العالم بأزمة طاقة دولية بفعل الحرب في أوكرانيا. واللافت، أن ميقاتي يدرك جيّداً استحالة الخلاص من التعقيدات الداخلية المتعلّقة بشبكة مستوردي النفط وارتباطاتهم السياسية. وبالتوازي، هناك متطلبات استثمارية يستحيل على لبنان تأمين الأرضية الملائمة لها.
استحالة التحقيق
لم تنحصر الأهداف بالتخفيف من أزمة الكهرباء، بل امتدّت للقضاء على الأزمة، وبالطاقة المتجدّدة، وهذا أمرٌ يتحقَّق نظرياً فقط.
في الواقع “لا يمكن الاعتماد على الطاقة المتجدّدة بشكل تام، وإنما تضع الدول معدّلاتٍ لزيادة الاعتماد على تلك الطاقة بعد بضع سنوات”، وفق ما يؤكّده لـ”المدن”، الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، مارك أيوب.
الاعتماد التام على الطاقة البديلة يعني إما توفير الشمس والرياح على مدار الساعة، وهذا أمر مستبعد، أو “تخزين الطاقة في بطاريات، وهي عملية باهظة التكلفة”. كما أن الدول لا تستطيع في المستقبل القريب التخلّص نهائياً من الاعتماد على الوقود الأحفوري، بل تستطيع التقليص من استعماله واستبداله بالغاز، وهو مصدر أقلّ ضرراً على البيئة.
“النقلة النوعية والثورة التكنولوجية على صعيد الطاقة” كما يصفها أيوب، تواجه ما يحبطها في لبنان. فيتساءَل أيوب عن المناخ الاستثماري الملائم للاستثمار في مجال الطاقة البديلة. والمناخ لا يعني فقط جذب رؤوس الأموال “بل تأمين الاستثمار على الصعيد التقني والخبرات”. وبرأي أيوب “لا يمكن الفصل بين الانهيار في لبنان وبين دعوة المساهمين للاستثمار في أي مشروع. فمن هي الشركات التي ستستثمر؟ ووفق أي سعر صرف سيُدفَع لها”. بالإضافة إلى التساؤل حول حجم الفواتير والجباية المستقبلية.
معضلة أساسية أخرى تقف في وجه زيادة الاعتماد على الطاقة البديلة. وهي شبكة مستوردي النفط وارتباطاتهم السياسية. فهؤلاء يستفيدون من توريد مختلف أنواع الوقود للدولة وللمولّدات الخاصة. وكلّما طالت أزمة الكهرباء، زاد طلب الوقود وارتفعت الأرباح، وبالتأكيد “لا يناسبهم وقف بيع الوقود للمولّدات والدولة”.
طمأنة غير مجدية
لطمأنة المجتمعين في قمة المناخ، استعاد ميقاتي “مرفق لبنان للاستثمار الأخضر” الذي حُكِيَ عنه في الدورة الـ25 لمؤتمر تغيّر المناخ الذي انعقد في مدريد في العام 2019. فحينها، كشف وزير البيئة يومها، فادي جريصاتي، عن التحضير لإنشاء مرفق الاستثمار الأخضر، لتوفير أدوات مالية لتسريع خفض الانبعاثات ضمن خطة تمتد للعام 2030. وبقي المرفق “بلا إطار تنظيمي وكلاماً في الهواء”، حتى أحياه ميقاتي نظرياً في مصر، لطمأنة المانحين بأن أموالهم ستُدار بالشكل المناسب لتحقيق الأهداف.
ومع ذلك، فإن الدول القادرة على التمويل، لديها أولوياتها الداخلية والخارجية. فعلى سبيل المثال، أوروبا تغرق في محاولات تجنّب الأسوأ على صعيد تأمين الغاز ومواجهة التحديات الاقتصادية المتأتّية من مفاعيل الحرب في أوكرانيا. فمن المقرّر أن يجتمع وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي، في بروكسل في 24 تشرين الثاني، للموافقة على حزمة إجراءات طارئة لمكافحة الأزمة الاقتصادية. كما يبحث الاتحاد في إيصال 2.5 مليار يورو إلى أوكرانيا نهاية الشهر الجاري.
وعربياً، تسخّر المملكة السعودية جهودها للاعتماد على الطاقة البديلة بمعدّل 50 بالمئة في العام 2030. وستساهم المملكة بمبلغ 2.5 مليار دولار دعماً لـ”مبادرة الشرق الأوسط الأخضر” على مدى السنوات الـ10 المقبلة. أما دولة الإمارات، فأطلقت شراكة مع الولايات المتحدة الأميركية لاستثمار 100 مليار دولار في إنتاج الطاقة النظيفة. وهذا ما يُبرِز انشغال العالم بأولوياته وابتعاده عن أولويات لبنان، حتى وإن كانت حلّ أزمة الكهرباء.
الاعتماد على الطاقة البديلة أمرٌ ضروريّ لتخفيف الآثار السلبية على البيئة وتقليص حجم إنفاق الحكومات على الطاقة. لكن في الحالة اللبنانية، ينبغي إجراء إصلاحات شمولية تتعلّق بالمالية العامة والقرار السياسي، وليس فقط في قطاع الطاقة. ولذلك، فإن تبسيط المعادلة وحصرها بالنقص المادي، يُعتَبَر تجهيلاً لجوهر المشكلة.