أشار الأمين العام لـ “جمعية المصارف” فادي خلف في التّقرير الشهريّ للجمعية بعنوان “المصارف بين الحقيقة والفرضيّات”، إلى أنّ “البعض يتبرّع بالقول إنّ المصارف تعارض الكابيتال كونترول كونها تريد متابعة التحاويل إلى الخارج”، والحقيقة هي أن أي تحاويل مستقبليّة للخارج لا يمكن أن تكون لصالح المصارف التي يتمّ تقييمُ استمراريتها حالياً من قبل الهيئات الرّقابيّة والجهات الدوليّة، بما تمتلكُه من سيولةٍ بالعملات الأجنبيّة النقديّة. بالتالي، إنّ أي تحاويل للخارج ستُضعِف من دون أدنى شكّ سيولتها بالعملات الأجنبيّة وتهدّد استمراريتها، ما يجعل هذا التحليل ساقطاً حكماً”.
وعن فرضية أنّ “المصارف تعارض الكابيتال كونترول لأنّها لا تملكُ ما يكفي لدفع الألف دولار شهرياً المذكورة في المادة السادسة من مشروع القانون”، قال خلف: “لا تتوفر السيولة الكافية حالياً لدى معظم المصارف لدفع 1000 دولارٍ شهرياً كحد أقصى بحسب ما يتطلبه مشروع القانون، خصوصاً أنّ لكل مصرف إمكاناته المحدودة من السيولة ووضعه الخاصّ. أمّا ما قد يشكّل نقطةَ تلاقٍ للمصارف، فهو متابعةُ تطبيق التّعميم 158 بحسب المعادلة التالية: 800 دولار، نصفها بالليرة والنصف الآخر بالدولار النقدي على أساس 200 دولار يؤمنها المصرف المركزي و200 دولار تؤمنها المصارف من سيولتها. هذه المعادلة يمكن لعددٍ من المصارف الاستمرارُ في مراعاتها وإن كان الواقع لا يُؤكّد أنّ مجمل المصارف ستتمكّن من ذلك. بالتالي، تبقى متابعةُ تطبيق التّعميم رقم 158 هي الأقرب إلى الممكن وكلّ ما عدا ذلك هو بعيد كل البعد عن الواقع ولن تستطيعَ المصارف التكيف معه”.
وعن تأييد المصارف لقانون الكابيتال كونترول بحماية نفسها من الدعاوى عبر المادة 12 من مشروع القانون أوضح خلف انه “في ما يخصّ المادة 12 من مشروع القانون والتي تعنى بالإجراءات القضائية فالجواب يأتينا من واقع الدعاوى الحاليّة، حيثُ أنّ قلةً من المودعين الكبار المقيمين في الخارج هم مَن يربحون الدعاوى ضدّ المصارف، فيجففون سيولتها المفروض توزيعها بالتساوي على المودعين كافة عبر التّعميم 158. إنّ تركَ قلّةٍ من المودعين غير المقيمين يستأثر بحقوق صغار المودعين الذين لا قدرة لهم على تحمل تكاليف الدعاوى في الخارج، هو الاستنسابية بعينها، حتى أضحى من الأصح تسميتها بدعاوى المودعين الكبار ضدّ المودعين الصغار. إنّ مواجهة الاستنسابيّة تكون بالحفاظ على ما تبقى من سيولةٍ على قلتها لدى المصارف لاستعمالها بتسديد الودائع من خلال التعميم 158”.
وعن الكلام بألّا مصلحة للمصارف في المضي بمشروع قانون إعادة التوازن للقطاع المالي أو بقانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، اعتبر خلف أنّ “هذا الكلام يفتقد للدقة كون الأرقام تؤكد العكس. إن الانخفاض الذي شهدته الودائع بالعملات الأجنبية بنحو 27 مليار دولار منذ بداية الأزمة يعود بمعظمه الى تسديد جزء كبير من التسليفات بشيكات وتحاويل مصرفية. أما وقد تقلصت التسليفات إلى نحو 12 مليار دولار، فإنّ انخفاضَ الودائع سينحصرُ مستقبلاً بالسحوبات والتي قد لا تمثل أكثر من 2 إلى 3 مليار دولار سنوياً. بالتالي إن أي تذويب مفترض للودائع سيستغرقُ ما لا يقلّ عن 30 عاماً. هل يملك القطاع المصرفيّ ترف الوقت لينتظر عقوداً من الزمن مع ما يراكمُه من خسائرَ سنويةٍ وما يعانيه من تقليص لأعماله؟ هل من مصلحة المصارف وهي المتضررة من النزف الحالي أن تتوخى استمراره لعقود؟ بالتالي، إنّ هذه الفرضيّة تعتبر ساقطة أقله من الناحية العملية للأمور”.
ورأى خلف أنّ “شطب الودائع في حال حصوله سيكون هدفه الأول والأخير تملص الدولة من التزاماتها تجاه المصارف بطريقة غير مباشرة، مع ما يعنيه ذلك من وضع المصارف في مواجهة مع مودعيها. ستقف يومها الدولة ومؤسساتها، كما هي الحال اليوم، موقف المتفرج على صراع تسببت هي به ضمن القطاع الخاص. إن أفضل تشبيه يصح تصويره في هذا السياق، هو ذلك السائق المتهور الذي تسبب بحادث اصطدام بين باقي السيارات فيما لاذ هو بالفرار وراح يتفرج من بعيد على الضحايا، موَجِّهاً سيارات الإسعاف وفارضاً نفسه حكماً في توزيع المسؤوليات”.
وأكّد أنّ “المصارف ترى في صندوق استعادة الودائع حلّاً من الحلول الممكنة، على ألّا تعودَ وتُلقى على عاتقها النّسبةُ الأكبر من تمويل هذا الصندوق، فيما تتحمّل الدولة نسباً ضئيلةً من التمويل عبر مساهماتٍ بمداخيلَ افتراضيّةٍ أكثر منها واقعية. إن الدولة استهلكت 62 ملياراً و670 مليون دولارٍ من أصل فجوة قدرها 73 ملياراً، أي 86% من الفجوة، وبالتالي عليها أن تُساهِمَ بالنسبة نفسها في تغذية صندوق استعادة الودائع بطرقٍ عدّة ومنها على سبيل التعداد لا الحصر، الشراكة مع القطاع الخاص، كما وتخصيص قسمٍ من الموارد النفطيّة المتوقعة. ما هو عدا ذلك، لا يعدو، كونه عمليّة تملُّص للدولة من مسؤولياتها في هدر أموال المودعين ومخالفة واضحة للمادة 113 من قانون النقد والتسليف التي تُلزِم الدولة بتغطية خسائر مصرف لبنان كاملة”.
وشدد خلف على أنّ “إصلاح القطاع المصرفيّ ما هو إلّا جزء من الحلّ ولا يمكن أن يؤديَ الغاية المنشودة منه إذا لم يترافق مع إصلاح جذري للقطاع العام. لقد هُدِرَت أموال المودعين لأنّ القطاعَ العام استهلك أموالَ القطاع الخاص ليُمَوِّل فساده. بمعنى آخر، لو تم إصلاح القطاع المصرفي وتم ضخ الأموال فيه، إن توفّرَت على قِلَّتها، سيعود القطاع العام من جديد ليستهلك كل ما يُضَخّ، أكان بالطرق المباشرة أو غير المباشرة. إنّ هذا الواقع ما زال مُستَمِرّاً أقلّه منذُ عقودٍ وما يُطلب اليوم من مصرف لبنان من تأمين لتمويل لكهرباء لبنان مقابل التّسديد من الجباية يدخلُ ضمنَ هذا السّياق وكلنا يعرف ما الجباية في لبنان. إنّ ضخّ الأموال في السّلّة المثقوبة تحتَ وعودِ إقفال الثّقوب لاحقاً لم يعُد يتقبّلها لا المصرفيون ولا المودعون”.
وأكد خلف أنّ “الحل والربط هو في يد المجلس النيابيّ، فلا الحكومة ولا مصرف لبنان ولا المصارف لها الكلمة الفصل في الخطط المطروحة. لقد أبدت جمعيّةُ المصارف كلَّ تعاونٍ وأعطَت رأيها بوضوحٍ في تعميمها الصّادر في الرّابع من شهر تشرين الأول 2022، أمّا القرارُ النهائيّ فيبقى للسُّلطات التشريعيّة وحدها”.
ورأى أنّ “أهميّة الاتفاق مع صندوق النقد لا تكمن في 750 مليون دولار سيوفرها سنوياً الصّندوق على مدى أربع سنواتٍ ولا حتّى بما سيوفّرُه شُركاء الصندوق بل هي في الإصلاحات البنيويّة المطلوبة من قبل صندوق النّقد والتي لن تكونَ فاعلة إذا لم تعالج على وجه الخصوص مكامن الهدر والفساد وتَرَهُّل القطاع العام، بالإضافة إلى ضبط المرافق العامّة والحدود”.